المكوك “أتلانتيس” يودع الفضاء، والمطر يودع الغيمة، والثمرة تودع الشجرة، كاللقاء هناك وداع غير أنه يسقط من أذهاننا إلى أن يأتي إلينا فارضاً نفسه أو مفروضاً علينا. نختاره أحياناً ويختارنا على الأغلب، مهما كانت الرحلة طويلة هناك نهاية. كلنا مودعون في هذه الحياة، رحلة تنتهي وأخرى تبدأ من جديد، جمل نستخدمها عند فراق أحدهم إلا أنها دائما ما ترتبط بالحزن. قالت “أريد أن أحلق. أحببت المكان ولكن حان موعد رحيلي لدي مشاريع كثيرة وكبيرة أريد أزرع حديقتي، أريد أن أكتب. أريد أن أرحل لأبقى”، كانت سعيدة وهي تخبرني بقرارها أخذت تحكي لي عن خططها وأحلامها وسلامها الداخلي الذي تشعره بعد قرارها، كان هذا وداعاً لكنه سعيد. يمكن للدموع أن تكون فرحة وللوداع أن يكون سعيداً فقط إذا أدركنا أن العلاقات لا تنتهي بمجرد رحيل أحدهم بل تبقى في الذاكرة والذكرى الطيبة. هناك من يسافر بحثاً عن العلم والمعرفة ويغادر الوطن والأهل والأحباب إلى أن الوداع هنا مازال يحمل طعم السعادة. تتزوج الفتاة وتستقر وتنشئ عائلة وما يزال الوداع سعيداً. نتخرج من الجامعة ومن المدرسة ونفارق الأصحاب والمقاعد الدراسية وما يزال هذا الوداع سعيداً رغم مرارته، فهناك لذة لأن وداع هذه الحالات ارتبط بخطوة نحو المستقبل أو لتحقيق حلم ما. ويقول إبراهيم اليازجي في الوداع: وداع وما يغني الوداع من الوجد ولكنــه زاد المشـــــوق على البعـــد وما هي إلا وقفة عند فائت تمـــازج فيها طعم الصـاب والشهـد نثبط أخفاق المطي استزادة للحظــــة عين قبل منقطع العهـــد كأن لم يكن دهر الوصال الذي مضى ولم نتمل الصفو في عيشه الرغد لا أحد يعرف ماذا يخبئ له القدر، ولا أحد يستطيع أن يؤكد موعد انتهاء رحلته، ولا أحد يعرف في أي محطة سيقف، الحياة تدور بنا في حلقة دائرية شبيهة بدوران الأرض، وتعاقب الليل والنهار. حركات الطائرات لن تتوقف بمغادرة أحدهم، البواخر والسفن ستظل تبحر بمن فيها، وعجلات السيارات ما تزال ترسم أسماء من مروا فيها. نحن كالسماء، والنجوم والغيوم هم أفراد مشوا في سمائنا منهم من مر مرور الكرام كسحب، وآخرون أثروا فينا وغدوا نجوماً ينيرون سماءنا. حتى إن رحلوا عنا. ameena.awadh@admedia.ae