ما أن تبتعد، ولو لأيام قليلة، حتى يعاودك الشوق والحنين لأرض أنت عاشقها، وما أن تلامس عجلات الطائرة مدرج المطار حتى يساورك ذلك الشعور الغامر أن تقبل أديم الأرض، وتلتقي بالأحضان تلك الوجوه الهاشة الباشة الراضية المستبشرة، إنها كما غبطة الطيور الفرحة بعودتها إلى أعشاشها، وهي ببساطة بهجة عودة المرء إلى حيث ينتمي، على هذه الأرض خطت إرادة الإنسان قواعد لجودة الحياة ومعنى الحياة، وآدمية الإنسان واحترام الإنسان، جلت شرقاً وغرباً في أصقاع الأرض فلم أر نظيراً ولا وصيفاً لتلك القواعد والثوابت، وكلما أبحرت في فضاءات عالم مترامي الأطراف، تعقد مقارنات ومقارنات في دواخلك، لا تقترب في محصلاتها مما ترى وتلمس، ومع أن عين وقلب المحب تميل دائماً إلى ما يحب ويهوى، إلا أنك تتحدث عن إرادة رجال عظام صنعوا ما تراه رأي العين لأجل رخاء الإنسان في هذا الوطن، وأصبحت الإمارات جامعة مفتوحة لمن أراد أن يتعلم سبيل تلك الصنعة.
كنت لبضعة أيام في زيارة خاطفة لبلد هائل الثراء، عظيم الموارد، لا ينقطع الزوار عنه على مدار العام، ومع هذا تجد جل أهله متبرمين، والموظفون العموميون، بالأخص، عند منافذه يؤدون وظائفهم كما لو أنهم يقومون بواجب ثقيل على قلوبهم، يقابلون زوارهم بكآبة، كما لو أنهم يعاقبونهم لأنهم يزورون بلادهم.
وتجد العقل ينخرط في عقد المقارنات بين رقي الخدمات في دارك، وحرص أهلها على تجويد خدماتهم، وبين ما ترى، تتوغل في المدينة فتجدها شاحبة باهتة تعاني بؤساً في مرافقها وبناها التحتية، وتقرأ عناوين البؤس رغم الثراء في مختلف الزوايا والأركان، فالمسألة ليست في الموارد فقط، وإنما في حسن تخطيط وتوظيف تلك الموارد، والأهم من ذلك وجود الإرادة والنية الخالصة، فلا وجه للمقارنة.
وفي بعض تلك البلدان لا يحتاج الأمر منك لبحث طويل، فقراءة ما يستشري فيها من فساد يصافحك من المطار، ومن يستلم جواز سفرك يقلبه غامزاً أن أكرم حتى تُكرم، وإلا ظهرت الحجج وأعذار التأخير، ويقابلك سائق الأجرة بعبارات فقدت قيمتها ومعانيها لفرط تكرارها وحواشيها من اليمين المغلظة، لمجرد أنه أستنتج هويتك، والتي تعني بالنسبة له استغلالك حتى النخاع، فأنت بالنسبة له برميل نفط متحرك يضخ المال عن اليمين وعن الشمال بلا حساب. وفي بلاد أخرى لا تستطيع أن تغادر نزلك بعد أن يهبط المساء، حيث يغيب معه القانون والأمن، وينفتح المجال للخارجين عن القانون.
ومن كل مشاهدات السفرات السريعة الخاطفة، تتوطد داخلك حقيقة الجهد الأسطوري الذي بذل على أرض الإمارات، لتصبح على ما هي عليه اليوم، من رفعة ورخاء وازدهار، وواحة أمن وأمان، فيلهج اللسان بالثناء والشكر لله، وأن يتضرع للخالق عز وجل أن يديم على الإمارات وأهلها النعم، ويحفظ قائدها وإخوانه، فبالشكر تدوم النعم، ويستعيد اللسان أبياتاً للشاعر الراحل سلطان بن علي العويس:
ماذا أقول لأرض كنت فلذتها كانت بلا بسمة واليوم تبتسم
كانت لنا الأم رغم الجوع ترضعنا واليوم فاض على أفواهنا الدسم


ali.alamodi@admedia.ae