يتسلل إحساس الغربة إلى الذات، عندما ينفصل الجسد عن الذات، ويبدأ القلق بمد جذوره على وجه الشخص، حينها تبدأ الأفكار بالتشكل على سطح الدماغ، هذه الأفكار قد تكون سلبية وتدمر صاحبها، وقد تكون إيجابية فترفع صاحبها للقمة، تختلف الأفكار التي تتشكل على سطح دماغ الفنان، حيث الانفصال يكون مؤقتاً ولغرض التحفيز لإنتاج أفكار مبتكرة، هنا تجد أن الغربة التي يعيشها الفنان تكون في بعض الأحيان اختيارية، واحياناً أخرى تكون إجبارية، كما حدث لبيكاسو في فترة حياته الأولى، عندما تمكن الفقر من أعماله الفنية، فتجد الأفكار السلبية تغطي معظم أعماله، لكن الأعمال الفنية الناتجة عن غربة اختيارية، تكون أفكاراً ملقحة، ومتوازنة، حيث لا تطغى العاطفة، بل تصطبغ بالنضوج، والتوازن بين الإيجاب والسلب. عندما تنتقل الذات من الهوية إلى التبعية، يحدث الخلل في طريقة التفكير، فتنقسم خلايا الدماغ مولدة أفكاراً جديدة، هذه الأفكار الجديدة تدفع الذات نحو الهوية مرة أخرى، وإن فشلت في عملية الدفع نحو الهوية، فإن الذات تصبح غريبة عن الجسد الذي يحتويها، ويبدأ العد العكسي لعقارب الساعة، فتصبح غير صالحة للاستخدام؛ لأن العد العكسي ليس من خواص الساعة، بل هي تتحرك للأمام فقط على سطح الأرض. لحظة وقوع الفنان في غربة الذات، يتلمس الأشياء من حوله بغرض التذكر، وخلق حوار مع الذات، ويمسك بيده الفرشاة ويبدأ برسم ملامح ذاته عبر القماش، كما فعل الفنان الشهير فان راين رامبرانت، وهو هولندي الأصل، تميز بغزارة إنتاجه بلغت اللوحات التي أخرجها نحو 600 لوحة، عبر تلك اللوحات استطاع أن يخرج ذاته من الغربة التي وقعت في شباكها، واستطاع أن يدخل في قلب الإنسانية، لقد امتص أفراحة وأحزانه، والتي هي في الواقع أفراح وأحزان الإنسانية، وحولها إلى ألوان رائعة. لا يمكن الوقوع في غربة الذات، إلا إذا تعرض الإنسان إلى موقف مؤلم في حياته، كما حدث لفان راين رامبرانت، تزوج فان راين رامبرانت من بساسكيا، بعد أن باح لها بحبه، لكن لم يوفق في طفله الأول، ولا الثاني، ولا حتى الثالث، ولكن حصل على طفلة الرابع وفقد حبيبته بساسكيا، نتيجه لذلك لم تستطع ثروته الطائلة التي جمعها للزوج الحبيبة، أن تسعده، بل انطوى على نفسه وفصل الحزن ذاته عن جسده، وبات غريب الذات، وفي نهاية حياته عاد للفقر الذي تربى عليه في بداية حياته. science_97@yahoo.com