وللناس فيما يعشقون مذاهب، ومواهب ومشارب، وذلك لاختلاف البيئات النفسية والطبيعية، وتنوع الأمزجة والأهواء وما يصيب الإنسان من أرزاء وأدواء.. نتذكر الرجل الصيني الذي ذبح زوجته واحتفظ بجثتها في الثلاجة، ليأخذ كل يوم جزءاً ويصنع منه طعاماً.. أما هيرار الهندي، فقد تميز على سابقه، بأن أجبر زوجته على الرضوخ يومياً، ليأخذ من جسدها الشاب كأساً من الدماء، مؤكداً لها أنه بشرب دم الزوجة يزداد قوة ونشاطاً.. وقد استمرت حال الزوجة مع الزوج لمدة ثلاث سنوات حتى “طفرت” منه وضاقت به ذرعاً، فهربت إلى بيت أهلها لتبلغهم عن الحادثة، ما دفع الأب لإبلاغ الشرطة لإنقاذ فلذة كبده من مصاص الدماء.
ورجل آخر تتوفى زوجته، ويرفض الإبلاغ عن الوفاة، بل ويدسها في الثلاجة، ليخرجها كل ليلة ويصفُّها بجانبه ليحدثها عن مأساته وعن أحواله وما تصيبه من حوادث يومياً.
وأصناف أخرى من تصرفات نجدها أقرب إلى الفانتازيا، وأدنى من الخرافة، وأصعب من الأسطورة، لكنها حقائق تحدث على الأرض لأسباب عاطفية منبعها الحب.. الحب الذي يأخذ أصحابه إلى مناهج قد لا تخطر على الخيال، لكنهم يصدقونها ويمارسونها ويتلذذون في ترسيخها كواقع، لأنهم على يقين من أن حب الطرف الآخر يستدعي الإبقاء عليه والاحتفاظ به، أو أكل جزء من جسده أو شرب حفنة من دمه.
هذه هي وسيلة من وسائل الإبقاء على المحبوب، لإثبات الوجود وتأكيد أن الحياة مستمرة به، وبدونه لا حياة ولا نبض.. العاشقون المدنفون يقعون في أخطاء وأخطار وخدع بصرية وسمعية ونفسية، ما يجعلهم يمارسون ما لا يصدق، ويكبدون أنفسهم المعاناة لأجل استمرار حالة الظفر الوهمي باحتوائهم للآخر والاستيلاء عليه.. ما فعله هيرار لم يكن بدعة عصرية، بل وسيلة من وسائل الامتلاك المرضية، التي سادت مشاعر البشر على مدى الدهور، وتتعدد الوسائل والطرائق، ولكن الهدف واحد، وهو نشر الإحساس بعدم الفقدان، والانتصار على الخسارة.. فهيرار كان يشعر بالقوة عندما يشرب كأساً من دم زوجته، قد يكون وهماً، لكنه إحساس يُداهم الرجل، ويتلبس شخصيته، وبالتالي فإنه يشعر بالسعادة كلما رضخت له الزوجة، ومدَّت له ذراعها ليمتص منه رحيق الحياة، وإن رفضت فإنه يضربها ضرباً مبرحاً، لأنه يرى في الرفض عصياناً، وهجراناً، ونكراناً، وجريمة بحق شخص محب لا يستحق هذا التبرم من قبل الزوجة.. فقد تُشفى الزوجة وتنجو بالهروب، ولكن كيف يشفى هيرار وهو المقتات على دم الزوجة.. فهذه هي المعضلة.. فعندما تكون هناك مشكلة لا بد وأن يكون لها طرفان.. ولا بد للحل أن يشمل الطرفين، وإلا بقي الجناح المكسور في المعضلة يرفرف نازفاً بدماء البؤس واليأس.


marafea@emi.ae