مع كل دورة من دورات بطولات الخليج لكرة القدم، وغيرها يتجدد الحديث عن موضوع التجنيس، وتتبارى الأقلام بالغمز واللمز حول الموضوع. ومع بطولة “خليجي20” الحالية في اليمن، برزت الى السطح مجددا هذه القضية، وشهدت أبعادا وكلمات نارية بعد مباراة السعودية والكويت، بعد أن وصف كاتب كويتي المنتخب السعودي بأنهم “بقايا حجاج” كما جاء في “الاتحاد الرياضي” أمس الأول.
نعود لموضوع التجنيس الذي لا يقتصر على دول الخليج دون سواها في العالمين، فقد سبقتها اليه العديد من الدول في أوروبا وكذلك أميركا، ولكنه تجنيس مقنن، وليس كما يجري عندنا من تجنيس لزوم شأن آن، لإحراز بطولة أو الفوز بميدالية، ليأتي ذلك الفوز من دون أي طعم أو نكهة أو لون للفرحة، لأن الذي تحقق الإنجاز على يديه لا يملك أدنى ارتباط بالارض التي يمثلها، وأبسط دلالات هذا الارتباط اللغة. وشاهدنا منتخبات” المجنسين الجاهزين” في بطولات مختلفة، وكيف أخفقوا أيما إخفاق لأنهم يفتقرون لحماسة تمثيل
وتجسيد الانتماء، وتحولوا الى فضيحة بحق الذين جلبوهم، كما رأينا في إحدى الدورات الرياضية العربية في بيروت منذ عدة سنوات.
والواقع أننا يجب أن ننظر لموضوع التجنيس من منظوره الأوسع والأشمل، وإلا يكون مقتصرا على شق آن رياضي أو فني، وإنما وفق معالجة شاملة لملف متكامل يتعلق بطبيعة التركيبة السكانية المختلة في مجمل دول الخليج العربية. خاصة أن عدم التعامل العلمي والشامل مع هذه القضية المؤرقة جعل منها كما كرة الثلج التي تكبر أمامنا، ولا تزيدها الأيام إلا رسوخا ومعاناة، مع وجود آلاف الأشخاص في هذه البلدان ممن يرون في أنفسهم الأحقية في نيل شرف الحصول على الجنسية من أي رياضي أو ممثل أو مطرب ومطربة. ولعل أيضا من إفرازات ترك كرة الثلج تكبر فيما يعرف بخلل التركيبة السكانية، ظهور تلك الفئة التي عرفت بـ”البدون” أو من لا يحملون أوراقا ثبوتية في العديد من مجتمعات الخليج. وقد كان التعامل الجاد والحضاري مع هذه المشكلة في الإمارات مضربا للأمثلة.
وأمام مشاهد تكالب بعض المنتخبات على تجنيس هذا اللاعب أو ذاك من أدغال افريقيا وفيافي اميركا اللاتينية، تستغرب ألا تجد حماسا مماثلا في استقطاب وتجنيس عالم ذرة أو فيزياء وفي غيرها من ميادين العلوم والطب.
نعود لنقول إن التجنيس ليس بدعة، ولكننا ندعو للتقنين ووضع ضوابط بحيث يستفاد من هذا الأمر بما يخدم بلدان الخليج العربية بحق وعلى المدى البعيد، وليس لمجرد إحراز ميدالية أو بطولة آنية. بل إن البعض ممن” تورطوا” في تجنيس بعض اللاعبين اكتشفوا أنهم “شربوا المقلب”، ولم يستفيدوا ممن جنسوهم بالصورة التي كانوا يتوقعونها منهم. في وقت يتوقع فيه المراقبون أن تتخذ قضية خلل التركيبة السكانية أبعادا جديدة إذا ما أصبحت الهند عضوا دائما في مجلس الأمن، في عالم “لا صداقات أو عداوات دائمة فيه وإنما مصالح دائمة “ و”اللبيب بالإشارة يفهم”!.


ali.alamodi@admedia.ae