ماديبا المبجل أو تاتا الأب أو روليهلاهلا التي تعني نزع فرع من الشجرة أو المشاغب أو زهرة الربيع السوداء تلك التي تقدر أن تموه بلونها فلا يمسك بها، كل تلك المسميات وغيرها يختصرها مانديلا كشخص أسطوري، والذي لم يعرف اسم نيلسون إلا حين دخل المدرسة، لأن الإنجليز كانوا يجدون صعوبة في تذكر أو لفظ أسماء الأفارقة، لذا كان الأسود يحمل اسماً إنجليزياً وآخر إفريقياً! هذه الشخصية التي يجمع العالم كله على حبها وتقديرها وتمجيدها، لنضالها وإنسانيتها وحكمتها وتاريخها، الأصدقاء والأعداء، مما حدا بالإنجليز إلى أن ينصبوا له تمثالاً في عاصمتهم لندن، وهم قلما يفعلون ذلك لرجل أسود، ولرجل حاربهم وانتصر لقومه، ونقلهم من أكثرية مضطهدة من قبل أقلية تؤمن بالتمييز العنصري الـ”بارتيد” إلى سدة الحكم، وفرض القانون الإنساني الذي يسود الجميع من بيض وسود! أفعال مانديلا تعطي العالم والإنسانية دروساً في الغفران والتسامح ومحبة الآخر، والسمو عن تفاهات الأشياء وصغائرها، والنظر إلى عظائم الأمور وأقدسها، فقد احتفل بعيده الواحد والتسعين والذكرى العشرين لإطلاق سراحه من سجنه في جزيرة الموت “روبن” مستقبلاً شخصيتين متناقضتين: واحدة كانت تكرهه، وتنوي تصفيته، ثم تحولت إلى شخصية صديقة ومحبة، والشخصية الثانية، بدأت بالحب والغرام والتضحية والصبر والنضال، وانتهت بالخيانة والتسلط ثم الطلاق والفراق، الأولى شخصية”كريستو براند” السجّان أو البقية من السجانين، لأنهم غابوا في رماد الحياة هم وأفعالهم وأسماؤهم، وحده السجين مانديلا بمبادئه وشرفه الوطني بقي في ذاكرة الناس والتاريخ، والثانية هي شخصية الزوجة الثانية الاختصاصية الاجتماعية”نومزامو وينيفرد” أو “ويني” التي سبقتها لقلب مانديلا زوجته الأولى الممرضة اليتيمة والجميلة”ايفيلين ميس” ولحقتها زوجته الثالثة أرملة رئيس موزمبيق “غراسا ماشيل”! الحفل وحضورها المميز يكفي أن يكون درساً في الأخلاق، وفي معنى النبل الذي يصر هذا العجوز على أن ينثره ورداً في وجه الناس، دليل السماحة والتسامح وعلو المكارم! تجسدت شخصية مانديلا وسيرة حياته، في فيلمين “وداعاً بافانا” للمخرج”بيل أوغست” وهي قصة السجين والسجّان والذي كلف إنتاجه 30 مليون دولار، وهو إنتاج دولي مشترك، ولم تصل إيرادته إلا لخمسة ملايين دولار، لكن وجد نجاحاً كبيراً، فقد ضُحي بالمال من أجل إيصال فكرة نيّرة وثمينة في حياة الناس. أما الفيلم الآخر فهو من إخراج العجوز الجميل”كلينت ايستود” وتمثيل العجوز الأجمل “ فريمان” والذي يمكن أن نسميه “الصنديد” “invict s” ويحكي عن فترة من حياة مانديلا، وكيف قدر أن يخلق التآلف بين البيض والسود من أجل جنوب أفريقيا! العجوز الذي تدرب عسكرياً في الجزائر.. عقبال المائة عام من معنى الشرف، ومعنى النضال، ومعنى الحكمة والأخلاق!