يُقال «العقل زينة».. بالعقل تحلو الحياة، وتذلل الصعاب.. وقيل: يعيش العاقل بعقله حيث كان، كما يعيش الأسد بقوته حيث كان. التجربة مرآة العقل، ولذلك حُمدت آراء المشايخ، حتى قيل: المشايخ أشجار الوقار، لا يطيش لهم سهم، ولا يسقط لهم فَهْمٌ، وعليكم بآراء الشيوخ فإنهم إن عدموا ذكاء الطبع، فقد أفادتهم الأيام حيلةً وتجربةً. من العجب أن العرب تمثلت في جميع الخصال بأقوام جعلوهم أعلاماً فيها، فضربوا بها المثل إذا أرادوا المبالغة، فقالوا: أحلمُ من الأحنف بن قيس، ومن قيس بن عاصم؛ وأجودُ من حاتم، ومن كعب بن أمامة؛ وأشجعُ من بَسطام؛ وأبينُ من سُحبان وائل، وأعلمُ من دَغفل؛ ولم يقولوا: أعقلُ من فلان. فلعلهم لم يستكملوا عقل أحد، على حسب ما قال الأعرابي، وقد قيل له: حِدَّ لنا العقل، فقال: كيف أحُدُّه ولم أره كاملاً في أحدٍ قط؟ وقيل لحكيم: ما جماع العقل؟ قال: ما رأيتُهُ في أحدٍ فأصِفُهُ، وما لا يُوجَدُ كاملاً فلا حدَّ له. قال عبد الله بن عمر بن معاوية عن عمر بن عتبة المعروف بالعتبي: العقل عقلان عقلٌ تفرَّد الله تعالى بصُنعه، وهو الأصل، وعقلٌ يستفيدُهُ المرءُ بأدبه، وهو الفرع، فإذا اجتمعا قوَّى كل واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلُّمة للبصر. قال بعض الشعراء في هذا اللفظ، ويروى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: رأيـــــتُ العقـــــــلَ نـوعـــــــين فمطبـــــــــــوعٌ ومســــــــــموعُ ولا ينفـــــــع المســـــــــــــمـوعُ إذا لـــم يـــــــــك مطبـــــــــوعُ كمــــــا لا تنفــــــع الشـمـــــس وضـــــوءُ العيـــــــــــنِ ممنـــوعُ وقال ابن دريد: وَأَفضَلُ قَســمِ اللَّـهِ لِلمَــرءِ عَقلُـهُ فلَيسَ مِنَ الخَيــراتِ شَيءٌ يُقارِبُه فزَينُ الفَتَى في النَّاسِ صِحَـّةُ عَقلِهِ وَإِن كانَ مَحظـــُورٌ عَلَيـهِ مَكاسِبُه ويُـــزرِي بِـهِ في النـاسِ قِلَّـةُ عقلِهِ وإِن كَرُمَـــتْ أَعراقُــهُ وَمَناسِــــبُه إِذا أَكمَلَ الرَّحمـــنُ لِلمَـــرءِ عَقلَــهُ فَقَد كَمُلَـــت أَخلاقُــــهُ وَمآربُـــه لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام إلى الأرض، أتاه جبريل (عليه السلام) فقال: يا آدم إن الله عزّ وجلّ قد حباك بثلاث خصال لتختار منها واحدة وتتخلى عن اثنتين. قال: وما هن؟ قال: الدين والعقل والحياء. قال آدم: اخترت العقل. فقال: جبريل للحياء والدين: ارتفعا. قالا: لن نرتفع. قال جبريل (عليه السلام): أتعصياني؟ قالا: لا، ولكن أُمرنا ألا نفارق العقل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العقل نور في القلب نفرِّق به بين الحق والباطل، وبالعقل عرف الحلال والحرام، وعرفت شرائع الإسلام ومواقع الأحكام، وجعله الله نوراً في قلوب عباده يهديهم إلى هدى، ويصدهم عن ردى. من جلالة قدر العقل أن الله تعالى لم يخاطب إلا ذوي العقول. فقال عزّ وجل: (... إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) «الرعد: الآية 19» وقال الشاعر: إذا لم يكنْ للمــــرءِ عقـــلٌ فإنــهُ وإن كان ذا بيتٍ على الناس هينُ ومَن كان ذا عقلٍ أَجــــلَّ لعقلـــهِ وأفضلُ عــقلٍ عقــــلُ من يتديَّنُ وقال كسرى أنو شروان: أربعة تؤدي إلى أربعة: العقل إلى الرياسة، والرأي إلى السياسة، والعلم إلى التصدير، والحلم إلى التوقير. وقال أبو العلاء المعري: ذو العقل يشقى في النعيم بعقلــه وأخو الجهالــــة بالشــقاوة ينعمُ لا يسلم الشرف الرفيـع من الأذى حتى يـــراق علــى جوانبــــه الدمُ ومن العداوة ما ينــــــالكَ نفعـــُهُ ومــن الصداقـــة ما يضــرّ ويؤلمُ