نعتني كثيراً، وكثيراً جداً بكلمة امتحان، ونجعل من هذه الكلمة طوفاناً يزلزل الأركان ويهدم البنيان، ويشعر الإنسان بأنه مقبل على كارثة قد تدمر مستقبله وتطيح بآماله وتهزم أمنياته.
وزارة التربية كانت ستقرر عقد امتحان لمادتين في يوم واحد، لكنها تراجعت عن هذا القرار رضوخاً لرغبات الميدان، والآن تدرس التاريخ، تاريخ عقد امتحان الفصل الأول، وأمامها ثلاثة مقترحات، فهل يعقد في 30 نوفمبر أم في الأول من ديسمبر أم في الخامس منه؟، وقد تضاف اقتراحات أخرى لأن رضا الناس غاية لا تدرك، ونهج الديمقراطية عندما تشوبه الفوضى قد يكون أسوأ من الديكتاتورية. بصراحة المسألة لا تتعلق بالمواعيد أو عدد المواد التي تقدم في اليوم الواحد، فنحن نعيش منذ زمن “الفنر” والكتب المعجونة تحت أضراس البهائم، رهبة اليوم الامتحاني، ورعشة الورقة الامتحانية، ورجفة الأسئلة، ورعب الرقيب الدائر حول الصفوف الامتحانية كأنه الجلاد.. كلمة امتحان وحدها تكفي لأن تملأ العيون رهباً، وتهز القلوب تعباً، وتقضي على كريات الدم البيضاء والحمراء في الجسد، وتجعل من الطالب كأنه على موعد مع حبل المشنقة. فلا بد لنا أن نخرج من أزمة عنق الزجاجة، ولا بد لنا أن نتحرر من المواعيد المجلودة بالخوف، والتهديد والوعيد، فالمعرفة التي نتحدث عنها ليل نهار لا تنضج في العقول بعصا الترهيب، ولا تتوهج بأساليب “واللا العصا واللا اشرب”. المعرفة تحتاج الى أجواء أريحية فيها يشعر الطالب بأنه زميل للمدرس، وقريب جداً من أفكاره.
المعرفة تحتاج الى فضاءات واسعة، من احترام ذات الطالب وتهيئة المناخ المناسب لكي يغرف من معين العلم دون مضادات حيوية تقتل فيه المناعة، ودون المنشطات اللغوية التي تصدر من هذا المسؤول أو ذاك، وهي التي تفقد الطالب توازنه وتجعله في حال الغليان الدائم، والنكوص الدائم الى مراحل مبكرة من حياته ما يمنعه من تقبل ما يقدم له من فرص لا تتساوى مع قدراته. المعرفة تحتاج الى عارفين بالنفس البشرية التي تنتكس أكثر كلما اشتد حبل المشنقة وتزايدت التصريحات حول الامتحانات، وما أدراك ما الامتحانات؟!. المعرفة تحتاج الى تسييل اليوم الدراسي كما يسال الماء العذب، وجعل اليوم الامتحاني يوماً عادياً بسيطاً، والأفضل لو ألغيت هذه الشبكات العنكبوتية، واعتمد المدرسون على الدرجات اليومية من خلال النقاش في اليوم الدراسي والتحاور بين المدرس وطلابه. الامتحانات الورقية جزء من التعقيدات الدراسية التي تكبل الطالب بمواعيد وساعات قد يخرج منها بلا طائل، لأن الغش قد يكون حاضراً بقوة، ومن يتعلم الخوف يمتهن الكذب، والغش وسيلة من وسائل الكذب.


marafea@emi.ae