يفسر الفهم كلمة «تطبيع» بالطريقة التالية «محاولة تصحيح شكل العلاقة الخاطئة بين كيانين مختلفين، بغرض إعادتها لتكون طبيعية ومعتادة». استهلك هذا المصطلح إعلاميا وسياسيا، وآن الأوان اليوم لاستعماله اجتماعيا، فما يدور في وسائل إعلامنا المختلفة من عرض مشاهد أعمال تخترق المحظور الاجتماعي والديني لتجعله «عادياً» صار نوعا من التطبيع مع الممنوعات التي نشأنا عليها سواء تلك التي منعها ديننا الإسلامي كالخمر والفجور، أو تلك التي حددها العرف الاجتماعي في العلاقات الأسرية. اليوم تعرض القنوات العربية وبشكل متزايد منظر الممثلين العرب أو أولئك الأتراك الذين دبلجوا للعربية، وهم يحتسون الخمر، ويتكرر هذا المنظر في كل حلقة من المسلسل بشكل غريب، مع الوقت يتجه العقل الباطن لمشاهدي المسلسل «سواء كانوا صغارا أو كبارا» إلى اعتبار منظر احتساء الخمر عاديا ولا جرم فيه، وبالتالي يتحول العقل إلى حالة من السكينة لهذا السلوك ويصبح في نظر المشاهد حرية فردية ليس بالضرورة أنه سيمارسها يوما، لكنه لم يعد يستنكر ممارستها ولا يعتبرها اعتداء على حد من حدود الله! تطبيع الخمر في التلفزيون واحد من أهم التحديات التي نتلمس آثارها دون أن نعي مسبباتها، وما الإحصاءات التي أعلنت أمس الأول في دبي إلا نموذج لتبعاته، بدليل الارتفاع المطرد في عدد الحوادث التي تقع تحت تأثير المسكرات، حتى وصلت 136 مخالفة في شهر مارس فقط. كان الخمر والمسكرات مرفوضين على الدوام، وحتى أكثر الأسر انفلاتا لم تكن لتعتبر الخمر مستساغا، خاصة أن هذا الأمر لا يشترط الكثير من التدين لرفضه، فنبذه سلوك متوارث معروف في كل الأسر العربية على اختلاف درجات التزامها الديني. لقد أصبح استنكار الخمر وشربه معضلة أمام عملية التربية، ففي الوقت الذي تحاول الأسر تعليم أبنائها تجنب المسكرات والمخدرات وكل ما يذهب العقل من مؤثرات، تأتي قنواتنا الفضائية لتقدم مسلسلات يفترض أن تكون درامية يتابعها المراهقون على الأقل تجعل شرب الخمر وسيلة للهروب من الواقع والتمتع بلحظات من اللذة، وتسمح للأب فيها أن يصب لابنته كأسا وأن يشارك زوجته بعض الشراب! تكمن خطورة الأمر في أن الممثلين ليسوا أجانب، أو هكذا يقدمون للمشاهدين، فهم يتحدثون العربية، وترتدي بعض نسائهم الحجاب ويُنادون بأسماء عربية مسلمة، ما يضاعف من خطورة مسألة التطبيع النفسي مع الخمر وغيرها من السلوكيات المرفوضة اجتماعيا ودينيا. فرض الرقابة على القنوات التلفزيونية اليوم صار ضربا من الخيال، وحتى لو كان هناك مقص للرقيب فعلا، فلن يتخطى قطع الاسقاطات السياسية فقط، بينما الرقابة العائلية هي المحك الأكبر في هذا الموضوع تحديدا، ومن يهتم فعلا بتربية أبنائه عليه أن ينتبه لهذه الأمور في المسلسلات وينتقي ما تشاهده أسرته بعناية أكثر، ولو أن الحصول على مسلسل خال من هذه الترهات أمر شبه مستحيل في قنواتنا العربية.