كلما مر بي موقف يتعلق بشركات التأمين العاملة في القطاع الخاص، أستعيد لقطات من فيلم “سيكو” للمخرج الأميركي مايكل مور، والذي يظهر شراسة نظام التأمين الصحي في بلاده، والذي يتحول فيه جسم الإنسان الى آلة يتعامل معها كقطع غيار، لكل شيء تسعيرته الخاصة. ويتذكر القراء أن إصلاح النظام الصحي الأميركي كان من أهم الموضوعات التي عزف عليها الرئيس الاميركي باراك أوباما، وحملته للبيت الأبيض. أقول ذلك بعدما تابعت موقفين يكشفان بعضا مما تريد شركات التأمين المحلية تطبيقه عندنا وفق تلك المعايير غير المعتادة عندنا والغريبة عنا. في الموقف الأول توجه مواطن للطب الوقائي في أبوظبي طالبا تطعيمه، لأنه ينوي السفر الى بلدان في افريقيا معروفة بتوطن بعض الأمراض الخطيرة فيها، فقيل لنا إن التطعيمات التي يطلبها لا تغطيها بطاقة ”ثقة”، وبالتالي عليه أن يدفع قيمتها. الغريب هنا أن بعض تلك التطعيمات تقدم مجانا للراغبين في التوجه لأداء فريضة الحج أو العمرة. كما أن بعضها الآخر يقدم مجانا لخدم المنازل. أي أنها مجانية لهذه الفئة من العمالة المنزلية بينما على المواطن أن يدفع قيمتها. والأغرب أن هذه التطعيمات كاملة كانت مجانا حتى وقت قريب. وشخصيا تلقيت هذه التطعيمات مجانا من نفس القسم الذي يقول إن التأمين الصحي لا يغطي هذه التطعيمات، وذلك عندما كنت أستعد للقيام بجولة عمل في عدد من بلدان القرن الافريقي. أما الموقف الثاني فكان في إحدى الصيدليات، عندما قدمت مريضة وصفة طبية أمرت فيها الطبيبة بصرف نوع من الدواء لمدة ثلاثة اشهر، إلا أن الصيدلانية العاملة هناك أبلغتها أنها ستصرف لها الدواء لمدة شهرين فقط، وأن عليها دفع قيمة الدواء للشهر الثالث. ولم تستوعب المريضة الحيثيات التي قررت معها “ضمان” أو “ثقة” صرف جرعات العلاج لشهرين وليس ثلاثة أشهر. ولم يكن أمامها خيار سوى الدفع للشهر الثالث لتضمن الوصول للمردود المنشود من البرنامج العلاجي للتسعين يوما بحسب طلب الطبيبة المعالجة. هذان الموقفان يدفعان بالمرء للتوقف أمام نماذج لما يريد البعض تطبيقه عندنا من ممارسات لم تكن معروفة من قبل، وهي تخالف الغاية السامية التي هدفت من خلالها قيادتنا الرشيدة مد مظلة التأمين الصحي لتشمل جميع أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين، وألا تقف تعقيدات كهذه في طريق وصول الخدمات الطبية والرعاية الصحية لمن يكون في حاجة اليها. ونحن في وطن أغدقت قيادته على هذا القطاع الحيوي والمهم بكل سخاء وكرم بحيث تكون الخدمات العلاجية متاحة لأبنائه والمقيمين على أرضه، وفق أرقى وأعلى المعايير، وتطبيق نظام للتأمين الصحي عالي الكفاءة لا يخضع فيه الإنسان لمساومات مثل التي شاهدناها في ذلك الفيلم الشهير. فهل سنسمع من شركتنا الوطنية للضمان الصحي، ما يطمئنا لسلامة الممارسات الجارية، بعيدا عن الارتياب في متطلبات صحة الإنسان والنظرة التجارية لها؟! علي العمودي | ali.alamodi@admedia.ae