في خلق سيدنا عيسى، جعل الله الكلمة شارة البدء ، فكان عيسى كلمة الله التي تجلت بقدرة كن فيكون ، وفي البدء كانت الكلمة ، وهكذا كان وحين اختار الله محمد خاتماً لأنبيائه ورسله، لم يكن من قبيل المصادفة أبداً أن تبدأ أول علاقة له بالسماء والوحي ومرتكز الدين وعظيم القرآن بكلمة “ اقرأ “ ، فالقراءة فعل التغيير الأعظم والأسمى الذي أراد الله به أن يتغير شأن وحال وتارخ العرب ، فمن الجاهلية للإسلام ، ومن الجهل للعلم ، ومن الظلمات الى النور ومن البداوة الى الحضارة والرقي والبناء والعمران. هكذا كانت وهكذا استمرت حركة الحضارة والتاريخ الإنساني مرهونة ومرتهنة بحالة ومستوى الفهم والنظر والتعاطي مع فعلي القراءة والكتابة في كل تجلياتهما ، كما صارت القراءة والكتابة أحد أهم مقاييس تنمية وتحضر المجتمعات الراهنة فبين القراءة والكتابة تاريخ من التغيير والإصلاح، وغالباً ما ينظر إلى الكاتب على أنه فاعل التغيير الأول في المجتمعات لأنه صاحب تأثير وتوجيه وتنوير، مع أنه ليس سوى صاحب كلمة أولا وأخيراً !! والقراء في حياة الكاتب أمر لايستقيم حاله وإبداعه وعطاؤه بدونهم، فهم يحبونه، وينتظرونه، إنه صديقهم الذي لا يعرفونه شخصياً لكنهم يتعلقون بكل كلمة يقولها، والأهم أنهم يثقون به، لذلك فإنه يهابهم ويحسب حسابهم كثيراً. لكن القراء الذين يتصلون أو يكتبون رسائل مغفلة الاسم أو مذيلة بأسماء مستعارة يضعون كتابهم في مأزق لا يعرفون هم مدى حرجه ، فالرسالة المغفلة الاسم حتى وإن حملت قضية أو مشكلة ما لا يمكن – من وجهة نظري الشخصية – أن تدفع الى الثقة المطلقة بصاحبها، خاصة حين يتحدث عن قضية أو إشكالية ذات بعد يترتب عليه مسؤولية ما، من نوعية الرسائل التي تحكي عن فساد محدد وتعد على حقوق معينة أو تجاوز بحق أشخاص ، دون أن يذكر اسماً أو رقماً معيناً يمكن التواصل معه لاستقصاء بعض البيانات أو المعلومات الناقصة والضرورية ، وعليه فكيف يمكن التسليم بصحة حكايات يرويها مجهول مثلا؟ إضافة الى أن الشخص الذي يريد أن يتصدى لفساد أو تجاوز يراه واضحا في مؤسسته بالاستعانة بالصحافة، لا بد أن يكون جريئاً الى حد ما، فهو لا يرتكب خطيئة بل العكس هو الصحيح ، فالصحافة واحدة من مؤسسات الرقابة الفاعلة على الأداء العام لمؤسسات المجتمع كلها، شرط أن لايتم ذلك بطريقة غامضة أو مخالفة للقانون ، ما قد يثير الارتياب في نفس الكاتب أو الصحفي ، فقد اشتكى لي عدد من القراء (المجهولين) الذين يرفضون مجرد ذكر اسمائهم، أن الكتاب لا يتعاطفون معهم ولا يردون على رسائلهم ولا يبحثون في المشاكل والقضايا التي يرسلونها إليهم، لكل هؤلاء نقول إن الكاتب مطالب دائماً بأن يتبع الطريق المستقيم وعليه مسؤولية أخلاقية بأن لا يندفع باتجاه رسائل غامضة المصدر. إن الكاتب أو الصحفي حتى وإن كان ملتزما بحماية مصادره ، الا أنه مطالب في الوقت نفسه بأن لا يهاجم ولا يدعي ولا يتقول ولا يتهم دون دليل أو برهان أو بناء على مجرد مكالمة من مجهول أو رسالة مغفلة الاسم، والقارئ الذي يطالب كاتبه بأن يتبنى قضاياه ، وأن يتحدث بالنيابة عنه، فإن عليه أن يثق به أولا ، كي يبادله هذا الصحفي ثقة بثقة !! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com