لفتت نظري إجابة أحد الزملاء لزميل له مستنكراً مستهجناً ما سمع بقوله«ها»؟! وتأكدت أن «ها» هذه فصيحة، ومستعملة إلى اليوم في باب الجواب بمعنى نعم وفي باب الزجر «هأ» وفي التنبيه. الهاء: بفخامة الألف: تنبيه، وبإمالة الألف حرف هِجاء.والهاء حرف من حروف المعجم، وهي من حروف الزيادات، وها حرف تنبيه. وأما «هذا» إذا كان تنبيهاً فإن ها تنبِيه تَفْتَتِحُ العرب بها الكلام بلا معنى سوى الافتتاح، تقول: هذا أخوك، ها إِن ذا أخوكَ؛ وأنشد النابغة: ها إِنَّ تا عِذْرةٌ إلاَّ تَكُـنْ نَفَعَـتْ فإنَّ صاحِبَــها قــد تَاهَ في البَلَدِ وتقول: ها أنتم هؤلاء تجمع بين التنبيهين للتوكيد، وكذلك ألا يا هؤلاء وهو غير مُفارق لأي، تقول: يا أيها الرجل، وها: قد تكون تلبية؛ وقيل: يكون جواب النداء، قال الشاعر: لا بَلْ يُجِيبُك حينَ تَدْعو باسمه فيقـــــولُ: هــاءَ، وطالَمــا لَبَّى والعرب تقول أيضاً «ها» إِذا أجابوا داعِياً، يَصِلُون الهاء بألف تطويلاً للصوت. وأهل الحجاز يقولون في موضع لَبَّى في الإجابة لَبَى خفيفة، ويقولون أيضاً في هذا المعنى هَبَى، ويقولون «ها إنك زيد؟»، معناه أإنك زيد في الاستفهام، ويَقْصُرُونَ فيقولون: هإِنَّك زيد، في موضع أإِنك زيد. وقيل الهاء حَرف هِجاءٍ، وهو حرف مَهْمُوس يكون أصلاً وبدلاً وزائداً. ويقال: هِيَ هِيَ أي هِيَ الداهِيةُ التي قد عَرَفْتُها، وهم هُمْ أَي هُمُ الذين عَرَفْتُهم؛ وقال الهذلي: رَفَوْني وقالوا: يا خُوَيْلِدُ لَم تُرَعْ؟ فقُلتُ وأَنْكَرْتُ الوجوهَ: هُمُ هُـمُ وقالوا: ها السلامُ عليكم، فها مُنَبِّهَةٌ مؤَكِّدةٌ؛ قال الشاعر: وقَفْنا فقُلنا: ها السَّلامُ عليكُمُ فأَنْكَرَهــا ضَيـــقُ المَجـَمِّ غَيــُورُ وقال الآخر: ها إِنهـــا إِنْ تَضِـــقِ الصُّـــدُورُ لا يَنْفَـــــــعُ القُــلُّ ولا الكَثِيــرُ ومنهم من يقول: ها اللهِ، يُجْرَى مُجْرى دابةٍ في الجمع بين ساكنين، وقالوا: ها أنْتَ تَفْعَلُ كذا. وفي التنزيل العزيز: «ها أنْتم هؤلاءِ» وهأنْتَ، مقصور. وها، مقصور: للتَقْريب، إِذا قيل لك أيْنَ أنْتَ فقل ها أنا ذا، والمرأةُ تقول ها أَنا ذِهْ، فإِن قيل لك: أيْن فلان؟ قلتَ إِذا كان قريباً: ها هُو ذا، وإِن كان بَعِيداً قلت: ها هو ذاك، وللمرأة إذا كانت قَريبة: ها هي ذِهْ، وإِذا كانت بعيدة: ها هِيَ تِلْكَ. وهاءَ أيضاً: كلمة إجابة وتَلْبِية، الهاء حرف هشٌّ ليِّن قد يَجِيء خَلَفاً من الأَلف التي تُبْنَى للقطع، قال الله عز وجل: هاؤُمُ اقْرؤُوا كِتابِيَهْ؛ جاء في التفسير أن الرجل من المؤمنين يُعْطى كِتابه بيَمِينه، فإِذا قرأه رأى فيه تَبْشِيرَه بالجنة فيُعْطِيه أصْحابَهُ فيقول هاؤُمُ اقْرَؤوا كِتابي أَي خُذُوه واقْرؤوا ما فِيه لِتَعْلَمُوا فَوْزي بالجنة، يدل على ذلك قوله: «إني ظَنَنْتُ»، أَي عَلِمْتُ، أنِي مُلاقٍ حسابيَهْ فهو في عِيشةٍ راضِيَةٍ. وفي هاء بمعنى خذ لغاتٌ معروفة؛ يقال هاءَ يا رَجُل، وهاؤُما يا رجلانِ، وهاؤُمْ يا رِجالُ. ويقال: هاءِ يا امرأةُ، مكسورة بلا ياء، وهائِيا يا امرأتانِ، وهاؤُنَّ يا نِسْوةُ؛ ولغة ثانية: هَأْ يا رجل، وهاءَا بمنزلة هاعا، وللجمع هاؤُوا، وللمرأة هائي، وللتثنية هاءَا، وللجمع هَأْنَ، بمنزلة هَعْنَ. ومن العرب من يقول هاكَ هذا يا رجل، وهاكما هذا يا رجُلان، وهاكُمُ هذا يا رجالُ، وهاكِ هذا يا امرأةُ، وهاكُما هذا يا امْرأتان، وهاكُنَّ يا نِسْوةُ.