في مرة من المرات وبعدما أرهقتني أمور الدنيا بمشاكلها وهمومها وأعبائها أحسست بتعب يخترق جسدي وإنهاك لا يمكنني التغاضي عنه، خاصة بما يدور من حولي من أمور يصعب علي أن أقاومها لوحدي، أمور تملأ العين وتغري القلب، من ملذات الدنيا الكثيرة والمتنوعة التي فيها ما يسر الخاطر ويبهر النظر، فأخذت أبحث عن معيل ومشارك يتقاسم معي حالتي ويفسر لي وضعي، وبعدما طال انتظاري قرأت حكمة لأحد المشايخ الذين خط الزمن على وجهه خريطة وتضاريس من الطرق التي توصلك في آخر المشوار إلى حكمة انتهجها وسلكها في حياته، والتي لم يبخل فيها لأحد فذكرها وكتبها لكل من أراد النصيحة التي تعينه على مر هذا الزمان وحلاوته المؤقتة والخلطة السحرية التي اتقى فيها شر نفسه، والتي تهدف إلى أن يكون المرء ملك نفسه يروضها ويحاسبها ويعدها للدنيا. لن أطيل الحديث عليكم فالحكمة تدور حول شيخ طاعن في السن يشتكي من الألم والإجهاد في نهايةِ كل يوم ، فسأله صديقه: عن كل هذا الألم الذي يشكو منه؟ فأجابه الرجل الطاعن: “ يوجد عندي بازان “ والباز نوع من أنواع الصقور يجب عليَّ كل يوم أن أروضهما. وكذلك أرنبان يلزم أن أحرسهما من الجري خارجاً.. وصقران عليَّ أن أُقوِّدهما وأدربهما ..وحيةٌ عليَّ أن أحاصرها.. وأسد عليَّ أن أحفظه دائماً مُقيَّداً في قفصٍ حديدي ..ومريضٌ عليَّ أن أعتني به وأخدمه.. قال الصديق: ما هذا كله لابد أنك تمزح، لأنه حقاً لا يمكن أن يوجد إنسان يراعي كل هذه الأشياء مرةً واحدة. قال له الشيخ: “إنني لا أمزح ولكن ما أقوله لك هو الحقيقة التي أمارسها يومياً. إن البازين هما عيناي وعليَّ أن أروضهما عن النظر إلى ما لا يحل النظر إليه باجتهادٍ ونشاط، والأرنبين هما قدماي وعليَّ أن أحرسهما وأحفظهما من السير في طرقِ الخطيئة، والصقرين هما يداي وعليَّ أن أدربهما على العمل حتى تمداني بما أحتاج وبما يحتاج إليه الآخرون من إخواني، والحيةُ هي لساني وعليَّ أن أحاصره وألجمه باستمرار حتى لا ينطق بكلامٍ معيبٍ مشين، والأسد هو قلبي الذي تُوجد لي معه حربٌ مستمرة وعليَّ أن أحفظه دائماً مقيداً كي لا تخرج منه أمور شريرة، أما الرجل المريض فهو جسدي كله الذي يحتاج دائماً إلى يقظتي وعنايتي وانتباهي الذي يستهلك طاقتي”. لابد أن يكون الإنسان ملك نفسه يروضها ويحميها من ملذات الدنيا لأنها فانية ومؤقته بالمقابل بجب عليه أن يستمتع بما وهبه الله ويعيشها بحلوها ومرها ويخلق له تاريخا يفخر به ورصيداً يستند عليه في دار البقاء. وكما قال الشاعر: لا تأمن العيش في أرض ستهجرها إن السنين وإن طالت قصيرات... تبني القصور بدار لا مقام بها أين الذين بنو بل أين الحضارات ... أين القلاع التي طالت سواترها أين الملوك وأولاد الأميرات... سل الديار وسل من كان يسكنها هل طاب عيش والمصير ممات Maary1919@hotmail.com ?