“رفقاً بالقوارير..” تلك كانت وصية النبي الكريم، عبارة مرسلة تحمل قيمة أخلاقية وحضارية للرسالة المحمدية التي جاءت منصفة للناس، قائمة بالقسط، تراعي الفقير والضعيف إن صبر وما كفر، وتمد للغني إن حمد وشكر، وتحرر النفس من الظلم والعبودية والاستكبار، هذا في عمومها، ولعلها في خصوصها وقفت مع المرأة المستضعفة في المجتمع الذكوري، وناصرتها لتمنع عنها الضرر، من وأد، وحيف، واسترقاق، وأكل حقوقها، وإلزامها بالواجبات، متغافلاً دائماً “جمع المذكر السالم” عن دور “نون النسوة”، وحضورها الطاغي في الحياة، رمز الرحمة والحنان والأمومة والصبر، وسبب أساسي في الوجود، وعدم الانقراض، ولو فعلتها المرأة مرة، وشدت الحزام، ولم تمط اللثام، وأظهرت مخالبها للرجال اللئام، واكتفت بالمقاطعة من الخصام، ورضت بالعداوة والمناكفة قبل الوئام، فستثور الدنيا، ويومها قد يبكي نفر كثير من الرجال، ويعرف يومها نفر كثير قيمة المرأة التي كثيراً ما يستوطأ جدارها، وكثيراً ما ننعتها بالضلع الأعوج، وكثيراً ما نلصق بها صفة النقصان من عقل ودين وحياء ومسؤولية، نقول هذا بعد ما نرى ونلمس ما تعانيه المرأة من اضطهاد حقيقي في مجتمعاتنا العربية الفحولية، وما يصيبها في حياتها المتأزمة، ويكفي أن تدخل دهاليز المحاكم وترى: تعطيل وتسويف ومماطلة ومدد للمراجعة، وعذابات لا تنتهي، وسنوات تمضي عليها دون أن تحصل على حقها، ولا أحد يعرف ظروفها وقسوة الأيام عليها، بعد طردها من بيتها، وإبعادها عن أولادها، وتلذذ زوجها بتعذيبها اليومي، وفرح الزواج من غيرها. العيون التي تناظرها مقتنصة ما يمكن أن يكشف من سترها وجسدها، وكأن عليها أن تدفع ضريبة هذا الجسد الأنثوى، لكي تسترجع حقها، وتساعد حظها الأغبر. عليها أن تعرف ما دام رضيت بالمحاكم وطرقها أن تتحمل ردة فعل القاضي الشرعي لها، وتتحمل وزر النشوز والخُلع، وعدم القرّ في البيوت، ورفع الصوت في وجه الزوج، وتحمل ثقل” لعنة الملائكة” لها منذ أن تصبح حتى تمسي، لأنها أغضبت زوجها، ولم تأخذ بتأويل النص، ولم “تسجد له بعد كل صلاة”. عليها أن تعرف جانباً آخر من الحياة، فأبواب المحاكم عادة ما تكون مفاتيحها وأقفالها بيد المحامين، وهؤلاء جيوبهم ممزقة، ولا يستقر فيها درهم محمود، فللطلاق تسعيرته، وللخُلع ثمنه، ولتقاسم المنزل سعره الغالي، وللحضانة تعريفتها. سيكثر في طريقها “أولاد الحلال” والكل يطرح المساعدة والنجدة ومعطف الحماية، حتى إذا ما خطى الواحد منهم خطوتين، أطلق ساقيه للريح، وإذا ما وجد صداً ومنعاً خلع ذلك المعطف، وإذا ما ملّ من صبره، تعذر بمتطلبات عائلته، واحتياجات أسرته. ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com