صرخ الجميع بصوت واحد، وتحدثوا كثيراً عن الهوية، وأديرت محاضرات ومؤتمرات للتوعية بأهمية المحافظة على الهوية الوطنية وحمايتها من الضياع، لكن وللأسف الشديد فإن بعض الجهات الرسمية لم تزل غارقة في اللاوعي ولا تشكل لها هوية المكان أي معنى أو مغزى.
نجد في خضم الضجيج حول مرض انفلونزا الخنازير أن بعض الجهات الصحية أخذت على عاتقها توعية الناس بمخاطر هذا المرض وكيفية الوقاية منه والعلاج، لكن المؤسف أن التحذيرات لم تتوخ الحذر من أخطار بعض الرسائل النصية بلغة غير لغة الناس المراد توصيل الرسالة إليهم.
ولا أدري إن كان المعنيون بهذه الرسائل يعتقدون أن كل سكان الإمارات من مواطنين ومقيمين يجيدون القراءة باللغة الإنجليزية، لأن هناك الكبار في السن، وهناك الصغار، وهناك أنصاف المتعلمين، وهؤلاء من حقهم أن يقرأوا نصاً تحذيرياً يهم حياتهم باللغة العربية. وإذا كان الاعتقاد أن الرسالة ليست موجهة إلى أبناء الإمارات، لأن هناك جاليات لا تعرف العربية، فكان بالإمكان إرسال هذه النصوص مزدوجة باللغتين العربية والإنجليزية، حفاظاً على لغتنا الأم وتأمين وصول الرسائل إلى من يعنيهم الأمر. أما الإصرار على “تعجيم” الناس أجمعين، رغماً عن أنوفهم، فهذا فيه من التعسف ما يطيح بقيمة الرسائل ويقلل من أهميتها.
وأعتقد أن هذه الهيئات، إذا لم يكن لديها عربي واحد يستطيع كتابة الرسائل النصية باللغة العربية، كان بإمكانها الاستعانة بمترجمين. وبذلك يخلون ضمائرهم من العتب ويريحون الناس من مشقة هذه الطلاسم التي لا يراد منها غير إرباك اللسان العربي وتحويله إلى لسان يلعن ثقافة الآخر ولا يعنى بثقافته.
التواصل مع الآخر أمر مطلوب وحتمي، ومن تعلم لغة قوم أمن شرهم، لكن هذا لا يعني أن نتجاهل أنفسنا ونلغي أساس هويتنا بأيدينا، فالآخر لن يحترمنا إذا لم نحترم نحن هويتنا، ولن يقبل التوازي معنا طالما قبلنا نحن أن نكون الأقل شأناً.
هذا اللهاث وراء الإنجليزية جعل من يفهم ومن لا يفهم “يحيس” لسانه و”يرظن” ليظن الناس أنه على مستوى عالٍ من الثقافة. يجب أن نتعلم لغتنا ونجيد التعامل معها وبها، ومن ثم فالمجـال مفتوح لمن يريد أن يتعـلم الإنجليزية وغيرها، لا ضرر، بل إنها فائدة وعائدة بالخير علينا. الكلام بلغة غير لغة أهل الأرض قد يفهمه البعض، والبعض الآخر سيجده شيئاً من اللغو فلن يستفيد منه، ولن يلتفت إليه. إذاً ألفتوا نظر الناس بواسطة اللغة التي يفهمونها، وإلا فلا داعي لأن تكلفوا أنفسكم عناء الكتابة.. وثمن الإرسال.


marafea@emi.ae