يدرس طلاب الإعلام ودراسات الاتصال الكثير عن الصحافة والأخبار ومواثيق الشرف الصحفية وأخلاقيات الإعلام وتفاصيل دقيقة عن البث الإذاعي والتلفزيوني وغير ذلك، لكن من أهم ما يدرسه طالب الإعلام والصحافة تحديدا ذلك المتعلق بالأخبار المضللة، الأخبار التي تجد لها جذرا من الواقع فتنسج عليه حكاية لا أول لكذبها ولا آخر لضلالها، وهذا الذي أطلق عليه العرب قديما “كلمة حق يراد بها باطل “ ولعل أهم ما يرمي إليه أساتذة الإعلام من وراء تدريس هذا العلم هو تنمية الإحساس بطبيعة ونوع الخبر الذي يقرأه الإنسان وعدم الوقوع في شباك التضليل الذي يحتويه، لأن عدم التنبه قد يقود إلى كوارث لا يمكن تخيلها.
لعل آخر خبر من هذا النوع نشر في الصحافة العالمية وحتى العربية حسب ظني هو ما قاله كبير المبعوثين المدنيين لحلف الناتو في أفغانستان من أن الأطفال الأفغان في المدن الأفغانية بما في ذلك قندهار معقل طالبان هم الأكثر أمانا من بين أطفال العالم وربما يكونون أكثر أمانا من أطفال لندن ونيويورك !! هذا الخبر قرأه أحدهم وابتسم برضا متمتما “سبحان الله ، انظروا ماذا يفعل الدين وماذا تفعل العقيدة بالناس، فبالرغم من الحرب التي يشعلها الناتو ضد الأفغان إلا أن أطفالهم أكثر أمانا من أطفال الناتو أنفسهم !!
هذا هو الشرك أو المصيدة التي أراد كبير المبعوثين أن يوقعنا فيها أو يوقع كل القراء فيها، أن يصدقوا هذه الخرافة حول الأمان والازدهار بالنسبة لأطفال شنت على قراهم أبشع حرب منذ عشر سنوات حتى اليوم بحجة أو تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وبالرغم من أن القرى الأفغانية قبل الحرب كانت تعيش حالة تجمعات إنسانية نسيها الزمن منذ قرون وتبدو كما أنها من مخلفات حضارة بائدة لشدة الفقر والتخلف التي تعانيه تلك القرى، فإن حرب الناتو ضاعفت الكارثة ومحت كل احتمال لنمو أو إعمار أو أي شيء يمت للحضارة بصلة، فكيف يمكن لأطفال أو غير أطفال أن يكونوا أكثر أمانا من أطفال لندن ونيويورك؟
هل هناك أدنى منطق في حديث مبعوث حلف الناتو ؟ إن أطفال أفغانستان يعتاشون على المساعدات الإنسانية التي تصلهم ضئيلة جدا بعد أن تكون قد مرت بمافيا تناهش المساعدات ورجال الحكومة والقبائل وقطاع الطرق فلا يتبقى منها سوى الفتات في نهاية الأمر، هؤلاء الأكثر أمانا تجمع لهم مؤسسات الإغاثة المال حتى من المسافرين عبر العالم، وهم يضطرون لجمع الكراتين والخرق الممزقة من القمامة ليتدفأوا على نيرانها في مواقد الشتاء الأكثر شراسة من أي شتاء آخر في العالم لأن أسرهم لا تستطيع شراء أخشاب المواقد لارتفاع أسعاره بالنسبة لميزانياتهم المتواضعة !
إن طفلا أفغانيا من كل خمسة أطفال يموت من الجوع أو المرض أو البرد قبل أن يبلغ الخامسة من العمر، ولذلك فمن السخف القول بأن هؤلاء الذين ينقبون في القمامة، ويتخطفهم الموت في كل لحظة تعبر فيها طائرات الناتو أو الجنود المدججين بأشرس الأسلحة هم أكثر الأطفال أمانا، أنهم باختصار وبعيدا عن التضليل أكثر الأطفال عيشا في أخطر الأكنة على وجــه الأرض بفضل سياسات الحروب البشعة والا إنسانية.


ayya-222@hotmail.com