تخرجت بنت أخت لي قبل أيام من الثانوية العامة بمجموع ممتاز يفوق كل التوقعات، ووجدتها وهي تحتفل مع الأسرة محتارة إلى أين تتجه، وهناك ألف اقتراح أمامها ووالداها لديهما رغباتهما وأمنياتهما، وجدتها لها أمنية وعمتها لديها أمنية مختلفة وأنا لدي أمنية أيضا، الواقع أن الجميع يريد أن يراها متفوقة تحتل أعلى المناصب ليكون فخورا بها. لكن عندما تجلس معها وهي لا تزال في مقتبل العمر ليس لديها خبرة ولا تجربة بل وليست قادرة على تحديد مستقبلها ومصيرها، ولا على معرفة برغباتها ولا أمنياتها بعد أن تاهت بين كل الأماني وكل الرغبات وكل تلك الإعلانات عن الجامعات وعن المعاهد والكليات، حتى صار لديها نوع من الفوضى في الرأس فهي تريد أن تصبح عالمة ذرة وأن تكون قبطان طائرة وأن تكون مهندسة وطبيبة وصحفية. غير أنني تمكنت من إقناعها بشطب رغبتها الأخيرة من قائمة رغباتها فالصحافة “لم تعد تأكل عيش” كما يقولون و«اسأل مجرب ولا تسأل طبيب». على أي حال هناك جهد تبذله الجامعات والكليات لتعريف وتوعية طلاب الثانوية ومساعدتهم على معرفة الخيارات المتاحة، غير أن المسألة لم تصل إلى ما يقنع ويرضي جميع الأطراف، وفي كثير من الأحيان يجد الطالب “الغلبان” نفسه يدرس شيئا لا يرضيه، وإنما قد يرضي الآخرين وبعد أربع أو خمس سنوات يكتشف أن التخصص لم يعد مطلوبا في سوق العمل، وأن عليه إما أن يعيد الثانوية ويعيد دراسته الجامعية، أو أن يعمل في أي وظيفة والسلام. قد يرضي ذلك كثيرا من الأهل لأن المهم لديهم أن يحصل أبناؤهم على وظيفة مهما كانت، لأن ظروف الحياة لم تعد تطاق بدون وظيفة، وقد يرضى أيضا الخريج لأنه لا يصدق أن يحصل على وظيفة في سوق صارت فيها المنافسة شديدة وغير عادلة. لكن الخاسر الأكبر هو الدولة لأنها قد تفقد عقول أبنائها الذين استثمرت فيهم وفي تعليمهم، فهم يتحولون إلى قوة عمل غير مبدعة بعد أن كادوا يكونوا باحثين وعلماء وقادة متميزين. ترى أين الخلل؟ وما هو الحل؟ ربما يكون لدى مجلس أبوظبي للتعليم الحل، فهو يضع خططا مدروسة ولديه رؤية مستقبلية لو تحققت كما يجب فلا شك أننا سنرى نقلة نوعية في التعليم. وكذلك المنح الدراسية، حل آخر فيه تخطيط لمستقبل الطالب ورعاية متواصلة تفرز في النهاية جيلا من الشباب الحاصلين على تعليم نخبوي يمكنهم من المساهمة بفاعلية في البناء متجاوزين أي عقبات قد تصادفهم في المستقبل. أمل المهيري | bewaice@gmail.com