بادر مركز سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان الثقافي الإعلامي باستضافة الدكتور الناقد سعيد السريحي، وهو من النقاد البارزين والمهمين في الساحة الثقافية العربية، وهو مختص بالساحة الخليجية ومخلص لها ومتطلع بحراكها ومتغيراتها الأدبية. وقد سطر عنواناً جميلاً للمحاضرة عن العلاقة ما بين الرواية كفن والهوية الوطنية. والكل يعلم أبعاد القضايا الاجتماعية بمنطقة الخليج العربي، وعامل التعايش القائم على جوهر التشظي المقرون بالهوية الوطنية، وكون ما يطرأ على المنطقة من أنزيمات وتحولات فطرية، بل إن النظم العالمية والقوانين الدولية أصبحت تغذيها، ما يستنهض الدور الثقافي الذي كان مغيباً أو موجهاً أكثر مما ينبغي. فمن حيث فحوى المحاضرة لا أعرف ما الذي ساق المحاضر إلى فوز الرواية الخليجية بجائزة (البوكر العربية)، إذ لا يفضي فوز عبده خال بها إلى برهان يثري المحاضرة، من حيث تأثيرها كرواية أو عدمه في صياغة الخطاب الإبداعي العربي. ولا يحسب للمحاضر ذلك الإسهاب بالعودة إلى تاريخ الرواية الخليجية، والاستشهاد بمعوقاتها منذ سنة 1925م، خيوط لا ربط لها مع جوهر المضمون، فالبدء الإبداعي كثيرا ما كان يوازيه نفور في كل الأمصار وخاصة تلك المحافظة والمعتادة على النسق الديني، فالخطاب الإبداعي العربي وتاريخ الرواية لا يشفعان للمحاضر ولا يقدمان جديدا، مثلهما مثل السياق الآخر وهو المفاضلة ما بين الشعر والرواية كديوان للعرب، فلا يمكن الاستشهاد بالمهم وترك الأهم، بينما كلها تسميات لتحفيز الذوق العام وجر النار إلى الخبز، أما الفنون الإبداعية المختلفة فكل له خاصية ومعاييره. لقد تمنيت لو ارتكز المحاضر الدكتور السريحي على غاية وأهداف الرواية الخليجية الحديثة، وتكثيف التحضير حول مسارها الآني الذي أصبح يختزل كثيرا من تقاسيم الحياة، ولم يجمل لنا ما قرأه من روايات حديثة ذات صلة، كما علقت الشاعرة ظبية خميس وضربت مثالاً برواية الأديب ناصر جبران من الإمارات، وهناك روايات تتوازى مع المسار نفسه في الخليج العربي. لكن المحاضر اكتفي بالعمومية، من دون اعتبار إلى أن الرواية هي سجل اجتماعي يرصد الحراك والتغييرات التي تطرأ على المجتمع. وقد عدد المحاضر مزايا الرواية الخليجية وأسهب في شرح صداماتها مع واقعها ما قبل السبعينات، وكان الأفضل لو تحدث عن الصورة الماثلة في تقنياتها الحديثة ومدى هاجس الهوية في سياقها. فالرواية الخليجية تأسر المساحة الأدبية إذا صح التعبير، لكن ينقصها الانتشار بعيداً عن مفهوم المساحة الضيقة، ما ينقصها هو العامل النقدي بعيداً عن عملية الإطراء والأقلام المجاملة. يضاف إلى ذلك أن رابط الإعلام الخليجي مفقود، ليس في الرواية وحسب وإنما في كل الأجناس الأدبية، فليس هناك ما يوحي بالتعريف وتأصيل مفهوم الثقافة الدالة على الكينونة الخليجية الواحدة، وإنما هناك مجرد محاولات لمؤسسات تقوم بالمحاولات فرادى.