يبتسم القلب وهو يراها تمد أحداقها كأنها سارحة في خيال أخاذ، ليصفو النظر بتمعن طويل لا يرتد، ليشرئب العشب على رملها المتموج بنعومة خلاقة، إذ هي تخالط العنفوان الأصيل بالعطر ذي الرائحة المخملية، لتفضي بالهدوء والسكينة للنساء القادمات من مدن صاخبة، وهن يرفلن بالعمر اليانع، تلهبهن الحكايات، ويصدحن بالغناء، ويتصورن الذكريات الخوالي. سلام إلى جلفار الجميلة، من وحي الحب، تلوذ فيك ظلال الأشجار، فلا تخف على ضمئك قالت بعد أن لاحت بالأفق غيوم هطلت بالأمطار، فأخذتني إليها وهي مليئة بالقبل فكم ساقتني الحبيبات إلى الروض والحسن وكانت جلفار الأقدار. على بابها الجميل كم أنحنت الأسفار، رائحة الأزهار، عطرها يموج ما بين عشب القلب ونوح الأرض. فبعد غب مطر جميل، غمام وشمس تغزل شيئا من نهار. يا للبراري من وحيها يصفو فيه ويخضل الحب، باقة من ورد أحالها الربيع إلى قافلة من الأسرار، ما من تعب والروح تعشب، ما من ألق كأنها كوكب منفرد بالود، ما بين وعد وسحر، ونشوة جمال تنشطر، لغة للعيون بين ثنايا الجبال كي تسترد لونها الجميل في كيان البراري. بلا صدأ عدنا إليك نحتطب بقايا عشق من المسارات القديمة وغرسنا أوتاد الخيام لينزل على أفواج الناس كل هذا الفرح. روض جلفار، شلال ينحدر، يتصف برونق المطر الجلي، زلال الغيوم ينبت الأرض الجرداء، يغلف الكثبان بالسكينة من أجل أن تخطف الأنظار وابتهاج الفضاء. لها مدار، فلا مثال للأرض الحسناء يشابهه، طواف ما بين النخيل والجبال والقلاع، تحتضن البراءة في كل ركن من اركان الجمال وفي كل خطو من خطوات التاريخ. تنجلي الطبيعة الساحرة فيها، يتغلغل الحب ما بين العشق وصفاء النفس الشاعرة، فما يختزل من بوح يسطر كل هذه الرؤى والطواف الفكري الذي ينبئ بالعلو الشعري المهيمن على إيقاعات حثيثة ونشوة محرضة وخلوة مستترة في استحضار دائم لأصدقاء من شعراء وأدباء لهم صور مدونة على تعرجات الرمال فلا تكف عن التناغم الحر ما بين الطبيعة والتجلي أمامها، فمهما نهم الشعراء تظل جلفار عطاء دائما، نبعا يفيض بالحروف نسبا وتصاهرا، لتظل عبقة بالتراث الإنساني الحضاري وفضائله، وفية لأهل الكون عامة لكل من يمس اشراقاتها وأبعادها الإبداعية حصة من قبس الحب، وكأن الشاعر ما يقوله يعنيها، فقال “طاغور”: “عطاياك لا متناهية ويداي صغيرتان”.