ومن لا يعانقه شوق الحياة تبخر في ظلها واندثر. كثيراً رددها أطفال العرب، بل أكدوا على أشطر مهمة من قصيدة الشاعر، الذي قال قصيدته ورحل، ولكن هذه القصيدة “إرادة الحياة” لم ترحل، قال أطفال العرب معه ورددوا دائماً: “ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر”، بل وأكملوا مطلع القصيدة الخالدة، التي عاشت مع العربي يرددها وكأنها مثال حي ومجرب وحقيقي، والآن يتأكد بالبرهان وأمام نظر العالم وفي عصر اعتقد فيه البعض أو تمنى أن يطول نوم الشعوب العربية وأن تستكين إلى أبد الآبدين. وإذا بالقصيدة تعود إلى موطن قائلها، ليتحقق من أرضه صدق القصيدة، ولو حتى بعد أزمنة طويلة، وتخرج الحناجر صارخة ومؤكدة نبوءة الشاعر أبو القاسم الشابي، معلنة أن الشعب العربي حي لا يموت وإن طال ليله. وعبر الشوارع والطرقات والأزقة والقرى والمدن صدح الجميع بقصيدة شاعرهم العظيم: “إذا الشعب يومـاً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بـــد لليل أن ينجـلي ولا بد للقيد أن ينكسر”. مرّ على وفاة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي 77 عاماً، حيث توفي في عام 1934، وربما على هذه القصيدة 80 عاماً وأكثر، لكن ظلت قصيدته حاضرة دائماً من مشرق الوطن العربي إلى مغربه، تردد في الكثير من المناسبات والتحركات، التي حاول فيها الإنسان العربي أن يكسر قيوده، وأن يعرف الحرية والحياة بعيداً عن كل أساليب القمع والاحتلال والاستعمار في قديم هذه الأمة وجديدها، ولكن رغم كل الظروف لم تذهب هذه القصيدة مع ملايين القصائد والدواوين الشعرية، التي ماتت حتى قبل موت قائلها، بعض القصائد مثل الذهب والألماس والزمرد، تظل حاضرة وجميلة، حتى وإن مرت السنون وتقادم الزمن عليها. وقصيدة إرادة الحياة هذه ظلت راسخة وذهبت بعض أبياتها مثل الأمثال العربية الدائمة، وهذه تونس اليوم بناسها وشبابها وشيبها تبعث بقصيدة الشاعر أبو القاسم الشابي للحضور ومرافقتهم في انتفاضتهم من أجل حياة جديدة وبلد جديد وثوب جديد. إنها عبرة لمن يريد أن يعتبر، لقد صبروا صبر المطايا والإبل، كل شيء يبدو من الخارج والظاهر أنه رائع وجميل ومشابه للحياة في القارة المجاورة أوروبا، قد كان يصدق البعض أن تلك الأصوات المعترضة والناقدة غير أصوات الناس الحقيقيين، وأن كل شيء تمام، حتى جاءت القصيدة لتبعث الحياة من جديد وليهرب الظلام بعيداً حاملاً معه ليله الطويل، بينما ردد الشارع خلفه، لا بد لليل أن ينجلي.. لا بد لليل أن ينجلي.. لا بد لليل أن ينجلي. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com