نتابع هذه الأيام السقوط المدوي لصحيفة “نيوز أوف ذا وورلد” البريطانية، والذي تمثل في التنصت على بعض ضحايا أحداث، واقتحام خصوصياتهم لأجل تحقيق سبق صحفي، ومع الفضحية التي تكبر كما كرة الثلج، لم يجد القطب الإعلامي والملياردير الشهير روبرت مردوخ بداً من إغلاق الصحيفة التي كانت واحدة من درر عقد امبراطورية مرودخ الإعلامية، وتدر عليه ذهباً. وقد ودعت الصحيفة قراءها بعبارة “شكراً ووداعاً”، ليجد أكثر من مئتي صحفي وفني أنفسهم بلا عمل في لحظة تحمل مسؤولية، إلا أن الفضيحة باتت تهدد الامبراطورية نفسها، عندما دعت لجنة في البرلمان البريطاني مالكها للمثول أمامها، وتسببت في تراجعه عن كبرى خططه للاستحواذ على مجموعة البث التلفزيوني البريطانية “بي سكاى بي”، التي يملك 39 في المئة. وامتدت الفضيحة إلى خارج بريطانيا، عندما ارتفعت أصوات أعضاء في الكونجرس الأميركي تطالب بإجراء تحقيقات لمعرفة مدى مخالفة مجموعة “نيوز كورب” التي يملكها مردوخ لقوانين النشر الأميركية، وفي مسقط رأسه بأستراليا صرحت جوليا جيلارد رئيسة الوزراء بأن حكومتها ستعيد النظر في قوانين الإعلام بسبب تداعيات فضيحة اختراق الهواتف والبريد الصوتي والإلكتروني لعدد من المسؤولين والمشاهير وضحايا بعض الحوادث، مثل القضية التي كانت القشة التي قصمت ظهر الامبراطورية الإعلامية، والمتمثلة في تسلل محرر للبريد الصوتي لفتاة قتلها مهووس، ومن ثم تلاعب المحرر بأعصاب ذويها وساهم في تضليل المحققين الذين تولوا التحقيق في القضية. إن هذه القضية بالنسبة للمتابعين لها في منطقتنا، تكشف المدى البعيد الذي يذهب إليه البعض ليسقط باسم البحث عن السبق والإثارة الصحفية، ويعتز الكثير في منطقتنا بأنه في بيئة تعتبر مثل هذه الممارسات غير أخلاقية وتنبذها، وتحرص شديد الحرص على احترام خصوصية الأفراد والشخصيات العامة منها وغيرها. ويرى المتابع أن الذي يقتات على الفضائح، لا بد أن تطيحه فضيحة مدوية طال الزمن أو قصر، ولكن القضية تقودنا أيضاً للتوقف أمام الشق الخاص بالنظرة لتحمل المسؤولية في تلك المجتمعات، حيث يتقدم أكبر مسؤول ليعلن بشجاعة تحمله مسؤولية ما حدث، ويتنحى، ويضع نفسه تحت تصرف آية جهة تحقيق، كما رأينا في قبرص، حيث قدم وزير الدفاع وكبار قادة الجيش استقالاتهم بسبب وقوع انفجارات جراء سوء تخزين أسلحة، قتل فيها عدد من الأفراد، كما أصيب آخرون. في العديد من مجتمعاتنا العربية تقع أحداث جسيمة يقتل فيها العشرات ويجرح ويشرد آلاف الأشخاص، ومع هذا لا يهتز جفن أو رمش، وإذا ما تعالت أصوات الرأي العام والمجتمع الدولي، يبدأ البحث عن كبش فداء لتحميله مسؤولية ما يجري، وغالباً ما يكون محافظ البلدة أو عمدة القرية التي شهدت تلك القلاقل، وحلقات البحث عن مشجب لتعليق المسؤولية عليه بصور مختلفة، يبتعد فيها عن المسؤول الحقيقي عن المحاسبة، التي إن جرت فلا يدفع ثمنها سوى كبش الفداء الذي تم تقديمه قرباناً لحماية ذلك المسؤول، ليحافظ على بقائه على الرغم من الأهوال والكوارث التي كان السبب الرئيسي فيها. ali.alamodi@admedia.ae