قرأت حكايتها وسمعت بمثلها مرات ومرات، إنها تلك الفتاة التي تتخرج من الجامعة وتمل في وظيفة جيدة ، يستدعيها والدها ذات يوم ليعلمها بأن ابن عمتها قد طلبها للزواج ، تفرح مع شيء من التردد، لأنها تعرف أن ابن عمتها شاب مدلل وعاطل كما تسمع أن له علاقات نسائية ولكن والدها يقنعها بأنه سيتغير بعد الزواج والبركة فيها !! وتتزوج ابن عمتها بعد أن ينفق عليه أهله وأهلها كل شيء ، زواجاً سريعاً يشبه وجبات التيك اواي السريعة !! لم يتغير الزوج طبعاً، بل ازداد سوءاً ، فلا عمل ولا هدف، نوم طوال النهار، وسهر طوال الليل، وتبدأ المشاكل، وكلما أراد الأهل أن يتدخلوا هددها بالطلاق، ثم حدث وطلقها بالفعل، بعد مضي عام ونصف العام فقط! الآن لنسأل أنفسنا والحكاية هذه تحدث كثيراً بشيء قليل من الاختلاف في التفاصيل: من المسؤول عن هذا الزواج؟ ومن هو المسؤول عن الطلاق، خاصة وأن هناك طفلاً يتأرجح في مهب العاصفة وهو يخطو نحو شهره السادس؟! كآباء من حقنا أن نفرح بأبنائنا وبناتنا، وأن نحتفي بهم وهم يكبرون وينضجون أمام أعيننا، ومن حقنا قطعاً أن نرى فيهم امتدادنا واستمرار نبض الحياة فينا من حقنا أن نجمع بنات وأبناء العائلة الواحدة في شراكات عمر مديدة، لكن ليس من حقنا أن نزج بهم في اندفاعات تفكيرنا الأبوي إلى كوارث هم والمجتمع في غنى عنها. لنعترف بأن زيجات كثيرة تحدث في كل مجتمعات الأرض لاعتبارات مختلفة، مصالح العائلة، الطمع في الثروة، الطمع في منصب ومكانة الزوج أو الزوجة، المصلحة الشخصية، وأيضاً تحدث زيجات بسبب سوء التقدير والتهور، والضغوط العائلية والمجتمعية والاحتياجات الخاصة للرجل أو المرأة، مع علمنا يقيناً بأن زيجات سعيدة تتم بسبب المحبة والتفاهم والروابط المشتركة. ولكن السؤال: أي هذه الزيجات يبقى؟ وإذا بقي فأيها يكون مستقراً على أسس سليمة وقوية؟ حينما لا نختار لأبنائنا زيجات موفقة، أو حين لا نساعدهم في معرفة قواعد الاختيار؟ وحين نتركهم لأهوائهم وأمزجتهم دون نصح أو تربية، فإن النتيجة معروفة ، هذا لا يعني أن نفرض زوجات بعينهن على أبنائنا لأننا نعتقد أنهن الأفضل، ولكن من الواجب أن نعلم أبناءنا وبناتنا أن شريك الحياة ليس ذلك الصوت الذي نسهر معه على الهاتف حتى ساعات الفجر الأولى دون أن نعلم عنه شيئاً سوى أنه يداعب مشاعرنا ويرضي نرجسية العاطفة فينا، بعيداً عن أعين الأهل ومعرفتهم. لقد انفتح المجتمع أكثر مما ينبغي وبأسرع مما كنا نتصور، وصارت علاقات الشباب من الجنسين تتكون عبر البلاك بيري هذه الأيام وعبر المراكز التجارية وأحياناً أمام شباك التذاكر في دور السينما، وعلى قاعدة نظرة فابتسامة فسلام فلقاء.. تحدث علاقة ما، تنتهي إما بشكل مأساوي أو بزواج دائماً ما يكون فاشلاً لأن كلا الشابين لم يتأهلا جيداً لهذا المشروع الأسري النبيل ولندع جانباً عامل العمر فهذا لم يعد مقياساً في أيامنا هذه للأسف. تخطئ الأسر كثيراً في حق أبنائها حينما تفكر نيابة عنهم وتقرر نيابة عنهم وترغب في أن تفرح على حسابهم كما فعل الأب مع ابنته وابن شقيقته، وتخطئ أيضاً حينما تترك لهم (الحبل على الغارب) وتخطئ كثيراً حين لا تعد أبناءها للمستقبل بتربيتهم على تحمل المسؤولية ، فكل شيء يمكن للأهل أخذه على عاتقهم نيابة عن أبنائهم الا حين يتعلق الأمر بعلاقة الزواج والأسرة والأبناء !!