كان الشاعر لبيد بن ربيعة جواداً شريفاً في الجاهلية والإسلام، وكان قد آلى في الجاهلية أن يُطعم ما هبتِ الصبا، ثم أدام ذلك في إسلامه، وكانت له جفنتان يغدو بهما ويروح في كل يوم على مسجد قومه فيطعمهم، ونزل لبيد الكوفة، وأميرها الوليد بن عقبة، فبينما هو يخطب الناس إذ هبت الصبا، فقال الوليد في خطبته على المنبر: قد علمتم حال أخيكم أبي عقيل، وما جعل على نفسه: أن يُطعم ما هبّت الصبا وهذا يوم من أيامه. وقد هبّت ريحها فأعينوه، وأنا أول من فعل. ثم انصرف الوليد، ليبعث إليه بمائةِ من الجرز، وبهذه الأبيات: أرى الجــزار يشــــــحذُ شــفرتيه إذا هبّــت ريــــاح أبــي عقيـــلِ أشــمُّ الأنــف أضيــــدُ عامـــري طويل الباع كالســيف الصقيــلِ بنحــر الكــوم إذ ســـحبت إليـه ذيول صَبـــا تجـــاذبُ الأصيـــلِ فلما وصلت الهدية إلى لبيد شكره، وقال: إني تركت الشعر منذ قرأت القرآن، ثم قال لابنته: أجيبيه، فلعمري لقد عشتُ دهراً وما أعيا بجواب شاعر، فقالت: إذا هبــــت ريــاح أبـــي عقيـــل دعونـــا عنــد هبتهـــا الوليـــدا أشمَّ الأنـــف أصــــيد عبشـــميا أعــــان علـــى مُروءتــــه لبيـــدا بأمثـــال الهضــــاب كأن ركْبـــاً عليها مـن بنـــي حـــام قُعـــودا أبا وَهْـــــبِ جــزاك اللــه خيــراً نحرناهـــا وأطعمــنا الوفــــــودا فعـــُذ، إن الكريـــم لــه مَعــــادٌ وظنــــي بابــن أروى أن يعـــودا فقال لبيد: أجَبتِ وأحسنتِ، لولا أنكِ سألتِ في شعرك. قالت: إنه أمير وليس بسُوقة، ولا بأس بسؤاله، ولو كان غيره ما سألناه! قال: أجل، إنه على ما ذكرت، وأنتِ يا بنيةُ في هذا أشعر! استقر لبيد في الكوفة بعد إسلامه حيث وافته المنية قرابة نهاية عهد معاوية (660 ميلادية) في سن 157 سنة كما يذكر ابن قتيبة أو 145 كما ورد في الأغاني، تسعون منها في الجاهلية وما تبقى في الإسلام. أرسل حاكم الكوفة يوماً في طلب لبيد وسأله أن يلقي بعضاً من شعره فقرأ لبيد (سورة البقرة) وقال عندما انتهى «منحني الله هذا عوض شعري بعد أن أصبحت مسلماً»، وعندما سمع الخليفة عمر بذلك أضاف مبلغ 500 درهم إلى 2000 درهم التي كان يتقاضاها لبيد، وحين أصبح معاوية خليفة اقترح تخفيض راتب الشاعر، فذكره لبيد أنه لن يعيش طويلاً، وتأثر معاوية ودفع مخصصه كاملاً، لكن لبيد توفي قبل أن يصل المبلغ الكوفة. وهو من شعراء المعلقات: ِعَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهــــَا فَمُقَامُهــَا بِمِنَـىً تَأَبَّــدَ غَوْلُهَـــا فَرِجَامُهَــــا فَمَدَافِـــعُ الرَّيَّانِ عــُرِّيَ رَسْــمُهَـا خَلَقَاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِــيَّ سِـلامُهَا من شعره: أرَى النّفسَ لَجّتْ في رَجاءٍ مُكذِّبِ وقد جرّبـتْ لوْ تقتدي بالمجـربِ وكائنْ رأيتُ مِنْ ملوكٍ وســــوقة ٍ وَصاحَبْتُ مِن وَفدٍ كــرامٍ ومَوكِبِ وسانَيْتُ مِن ذي بَهْجَة ٍ ورَقَــيْتُهُ عليهِ السّــموطُ عابــسٍ متغضّبِ وفارَقْتُــهُ والـــوُدُّ بَينـــي وبَينَــهُ بحسنِ الثناءِ منْ وراءِ المغيّــــبِ وَأبّنْتُ مِنْ فَقــْدِ ابـنِ عَــمٍّ وخُلَّة ٍ وفارَقتُ مـــن عَمٍّ كريمٍ ومـن أبِ فبانُوا ولمْ يحــدثْ عليَّ سـبيلهُمْ سوَى أمَلي فيمـا أمامــي ومرغبي فَأيَّ أوَانٍ لا تَجِئْنـــــي مَنِيَّتـــــي بقَصْدٍ مِنَ المَعْــرُوفِ لا أتَعَجَّــبِ فلستُ بركنٍ منْ أَبـــانٍ وصاحــة ٍ وَلا الخالداتِ مِنْ سُــوَاجٍ وغُــرَّبِ قضيتُ لباناتٍ وســليتُ حاجــة ً ونفسُ الفتى رهنٌ بقمـــرة ِمـؤربِ