يتألق صباحنا بصوت «أم زياد» في الصباح، ولكني بالصدفة اكتشفت صوت سيدة الغناء العربي في الصباح كبركان «ينطش» على كل جزء من أجزاء اليوم. فصوت فيروز يزرع بستاناً تزقزق فيه العصافير حتى المهاجرة، فهو «سنطور الموبايل» عندما يكون على وضعية الهزاز، أما صوت أم كلثوم فلقد اعتدناه في نهاية الدوام وفي المرواح، فهو كالذي يطبطب علينا ويضع الأمل أمام أعيننا بعدما ترك لنا العمل ما ترك من النهار. تذكرت طفولتي، حيث سمعنا الكبار يقولون «البيبسي» حار و»الميرندا» باردة أو عن سجائر الـ «روثمان» بأنها قوية والـ «كنت» باردة. وكم سرحنا ومرحنا بهذه الازدواجيات في مخيلتنا وتصوراتنا حتى ترسخت في مفاهيمنا، فأصبح الحار والبارد والقوي والبارد والصادق والخائن والغبي والأغبى وغير ذلك مما نتداول بلا تفكير ذي عمق أو ضحالة. وعندما تبادلت رسائل نصية، أسهمت في ارتفاع أسهم اتصالات، مع صديقة جديدة تدخل من زاوية واضحة كتبت «لا تعلقي على السهر، فهو من أهم مقومات حياتي». فرددت عليها «ولاتسأليني عن الضحك، واللعب، والفكاهة، فهذه الأمور كلها حياتي». وبعد تراوح الرسائل قلت لها في الرسالة الخمسين، لقد حفزتني للإفراج عن كمية لا بأس بها من الأوكسيتوسين، تلك المادة الكيميائية التي تجعلنا نشعر بالحب والتي نضب تدفقها مؤخراً. لدي خطة علها تنجح، فأنا مثل غيري لا نفكر في الحب عندما يطغي علينا الروتين فتأتي أغاني فيروز وأم كلثوم كما يأتي ملف توقعنا إجراءاته. ولكن خطتي الجديدة ستساعد في إطلاق سراح الأوكسيتوسين. من الآن فصاعداً لا بد لنا من لمس الأشياء ففي ذلك توحيد للروح والقلب. نحن يا صديقتي الجديدة ننزوي بمشاعرنا هرباً من وضعها في العراء، وتخوفاً من أن يلعب بها الجاهلون. وبعد اللمس، أقترح، مرحلة الطبيعة والحرية، فالجري وملامسة الرمال والتأمل تستدر جميعها تلك المادة الحيوية بأسلوب يُمَكِنُ لمسها وتلقيها، أما بقية خطوات الخطة وإن بدت مستحيلة، فهي تدعو لتخصيص وقت لمراجعة قضايا الرومانسية، والارتباطات والصداقات السابقة وتحليلها مع الإبقاء على المثير للشجن منها لربما استطعنا من استعادة المشاعر وتذكرها ما يحفز الوضع الحالي، فينهمر سيل الـ «أوكسيتوسين». وقد تتطلب هذه الخطوة زيارة لأماكن معينة أو الاستماع للأغاني التي نغني معها وكأننا نجوم الخليج، تلك التي تذوب كلماتها وألحانها في فراغ صنعته حضرة من نحب. «أريد بكل سلطة لدي أن أَحلقَ لحية حَيَائِي وأُحِفُ شنب كبريائي وأن أقف أمام الحب كما أقف أمام البحر صغيرة لا تلعب بي سوى أهوائي التي هي كموجِة ترسم مشاريع وترانيم تصعد بنشوة الحب وترتقي معه من جديد». وبعد هذه الرسالة النصية الطويلة كتبت صديقتي جواباً ملخصاً « لو كان الأمر كذلك لما تجاسر علي ألم». وذبلت عيناي ثم قلت لنفسي «تصبحين على خير، يا حبيبتي» وفي الصباح جاء ما تقرؤون. وفي طريقي للعمل فتحت المذياع فإذا بكوكب الشرق تصدح «حب آيه اللي انت جاي تقول عليه»!