الشاعر والأديب محمد بن حاضر، رحل عنا، تاركاً لنا ألم الرحيل، ومرارة الفقر، لأنه إنسان مختلف، وأديب وشاعر مختلف، في مواقفه الكثير، القومية والوطنية، وشهامة الرجال الذين يقل وجودهم في زمن المداهنات والتصفيق. شاعر لم يوظف قصائده لمنصات المديح أو رجاء العطايا، مثقف أوجعه حال أمته العربية، فحمل همها أين ما ارتحل، مدافعاً عن أمته ولغته العربية، وكم كانت له مواقف شجاعة وقوية للرد على الحاقدين، الذين يستغلون أي مناسبة لقدح هذه الأمة في تاريخها وحضارتها، خاصة في المحيط الثقافي الذي تعلمه ويعلمه الشاعر المرحوم محمد بن حاضر جيداً. الشاعر محمد بن حاضر شديد الحساسية من بعض الإشارات التي تمس اعتزازه بعروبته وأمته، يجد أن الكتابة والشعر والثقافة يجب أن تكون ملتزمة بآمال وآلام هذه الأمة العربية، التي أتعبتها الجروح وخذلها حتى من صنعتهم وانتسلتهم من دوائرهم الضيقة! الشاعر والأديب محمد بن حاضر دائماً ما يوازي بين حداثته وتعلقه بباريس والحياة الباريسية، وحبه للجمال والحضارة الراقية هناك، حيث الحرية والثقافة والفن، إلا أنه لا ينسى أبداً تاريخه وماضيه، بل حتى قريته الجميلة التي كانت يوماً قرية للصيادين وأهل البحر، إنه يحن إلى مسقط رأسه جميرا ويسطر فيها أجمل القصائد وأروعها، ويحن إلى أهله وناسه في هذه المنطقة التي عاش فيها صغيراً وودعها أخيراً، دون أن يبتعد مسكنه الحديث عن القديم، إنه الانتماء والعشق الأبدي إلى مسقط الرأس، حيث هو امتداد لحياته وحياة ناسه، أهل البحر والرجال الأشداء والعظام الذين كانوا سنداً دائماً لدبي الجميلة. في آخر قصائده يسطر ذاكرة هذا المكان ويتتبع أطلال قريته ومواقع سيره ولعبه مع أترابه صغيراً، يتذكر البحر والسيف الممتد بمحاذاة المنازل، يتذكر أشجار النخيل والغاف. يتذكر الحياة القديمة جداً، وكأن ذلك الخاطر الذي داهم الشاعر هو وجدان الرحيل أو شيء من العشق القديم، يأتي مثل طيف أحلام ليوقظ الذاكرة ويبعث فيها حياة جديدة دون فقدان الذات والتاريخ والذاكرة الماضية. عندما كتبت مرة مقالة عن ليوا، وذكرت أبياتاً شعرية قديمة تقول: “جو ليوا ولا جو لبنان لا من سهام ولا رطوبة” فاجأني الشاعر محمد بن حاضر باتصال صباحي، ضحك كثيراً وقال ما هذا.. هل معقول إن جو ليوا مثل جو لبنان، ولكنه أردف بأنه يحب ليوا كثيراً، وهي امتداد لتاريخ عائلته وناسه. محمد بن حاضر رجل كريم شهم، ما قصده إنسان ورده خائباً أبداً .. تلتقيه في مجلسه الصباحي وقهوته الصباحية، فإذا بجمع من الأدباء والشعراء وأصحاب الفكر والقلم.. رحمة الله عليك يا أبا خالد. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com