في الصيف، في كل مواسم الصيف في العالم ترتفع درجة حرارة الجو، وترتفع الرطوبة ويصبح الطقس سيئاً، لكن سوء المناخ حالة نسبية، فالحر في بلادنا يختلف عن حر الصيف في بلاد الشمال، وحين يكون الصيف حاراً ورطباً إلى درجة اللزوجة الخانقة عندنا، لا نجد له حلا سوى السفر. في أوروبا الناس يهرعون إلى البحيرات وحمامات السباحة للتمتع بالحر، وإذ تسير في طرقات الريف الأوروبي المعتدل المزاج والمناخ، فإنه من دواعي دهشتك أن يتخفف الناس هناك من ثيابهم إلى درجة العري تقريباً لأن الجو حار - بحسب تعبيرهم - والشمس تستحق أن يستلقوا تحتها لتستقبلها كما ينبغي أجساد غارقة في عريها وبياضها الناصع. حرارة الصيف تقلب المزاج، كما تقلب توازن الجسد وتصيب الدماغ بالصدمة والدوار، ولا علاقة للأمر بمكان ولادتك، فقد تكون من مواليد خط الاستواء لكن الشمس إذا تسلطت على دماغك بشكل عمودي يمكنها أن تودي بك أو تجعلك طريح الفراش أياماً، ولذلك فإنني أتجنب أي شمس في أي مكان منذ أن عرفت فيه سر العلاقة السيئة بين الصحة والمزاج وأشعة الشمس الحارقة. تحدث عالم الاجتماع المعروف ابن خلدون عن تأثير المناخ على طباع الشعوب وأمزجتهم وأعمالهم وأنشطتهم، حين تنقل بين الأقاليم ووجد أن المناخ البارد والمعتدل يؤثر في الناس فيولد فيهم حبا للعمل والنشاط وإقبالا جميلا على الحياة وأمزجة صافية أحيانا وباردة أحيانا أخرى بينما تجد أمزجة البعض شبيهة بتفجيرات الألعاب النارية !! لا نلام إذا رحلنا صيفا باتجاه الشمال بحثا عن نسمات باردة، وطلبا لمناخات لا نتصبب فيها عرقا ولا نختنق رطوبة، ودون أية مبالغة أو سلبية فمناخنا لا يليق صيفاً ومن قال غير ذلك فهو أحد شخصين: إما أنه من غير هواة السفر والترحال بالمطلق، وإما أنه يكتفي بمكيفات المنزل حتى إشعار آخر يصير فيه السفر ممكنا. تقلب مزاجي نهار البارحة، فمنذ السادسة صباحا والشمس في كامل عافيتها كأنها كانت تستعد لكل هذا العنفوان الحارق طيلة الليل، صحوت منكدة المزاج، لا طاقة لي على الحديث أو حتى تناول الطعام، كنت كمن مر عليه إعصار أو كأنني لم أنم منذ أيام، وحين أرحت جسدي على إحدى كراسي ذلك المقهى الصغير القابع في ظلال الكنيسة القديمة بوسط الساحة فاجأني اتصال إحدى صديقاتي تخبرني أنها على وشك إنهاء علاقتها بخطيبها بعد أن كانا قد اتفقا على الزواج، وأن مشادة كلامية مفاجئة بينهما قادت لاشتعال الموقف وتطور الأمر إلى اتخاذها قراراً بإنهاء الأمر برمته. جعلتها تقول كل ما عندها، فقد كانت تتحدث كمدفع رشاش حدة وسرعة، وحين انتهت قلت لها، إنه الطقس يا عزيزتي، الحر القاتل الذي يشعل الأعصاب ويلخبط الأمزجة ويجعل الإنسان لا يكاد يطيق نفسه، ونصحتها بألا تبدأ علاقة في أول الصيف حتى لا تكون كسحابة صيف كاذبة، ولا تنهي علاقة قائمة في الصيف لأنه قرار غير حقيقي قد اتخذه الحر نيابة عنا دون أن نشعر لشدة وطأته على أرواحنا وقلوبنا وأجسادنا!! ayya-222@hotmail.com