يقال إن العلم في الصغر كالنقش في الحجر، نترحم على أيام زمان، بغناها وحلاوتها على الرغم من بساطتها ومرارتها، أيام المدرسين المتفانين في الإخلاص لرسالتهم، الذين يعدون طلابهم ويعاملونهم كأبنائهم، يقسون عليهم أحياناً، ولكنها قسوة فيها تشذيب وتهذيب، حرصاً منهم عليهم، فالمدرسة حاضنة التربية الثانية بعد الأسرة “البيت”، ونحتفظ جميعاً بذكريات أيام مقاعد الدراسة، ونتذكر مدرسينا الذين نكنّ لهم كل الاحترام والود، ونندم على مواقف وضعناهم فيها أيام الشقاوة، ونكبر فيهم صبرهم وحلمهم، ونشعر بالسعادة الحقيقية كلما لقيناهم. ونحن نشهد حصاد طلاب الثانوية ثمار جهدهم، استوقفني موقف مؤثر جداً، فقد التقيت موظفاً شاباً في أحد المراكز التجارية، كان يشتعل نشاطاً وتبدو عليه الفطنة والذكاء، وبعد التعارف، فتح قلبه لي نادماً على أنه ضيَّع حياته ومستقبله كله، بسنة الثانوية، في لعب وشقاوة ومراهقة، وأحياناً بإساءات لمدرسين، فقد كان غافلاً لا يسمع نصيحة من أحد، لا من أب ولا من أم أو أخ، وقال وهو يعتصر حزناً وندماً: أتمنى أن ألقى مدرسي الذي طالما تحمّل قلة أدبي، وكنت أقول عنه آنذاك إنه عديم الشخصية، وكم تساقطت الطباشير عليه من يدي العابثتين هاتين، راغباً في إضحاك رفاقي وإحراج المعلم.. لقد ضيَّعت حياتي ومستقبلي كله في سنة واحدة، أو أقل، فقد كنت شاطراً في المراحل السابقة، ولو استمعت لدروس ونصائح ذلك المدرس العظيم الجليل لكنتُ إنساناً ناجحاً ومبدعاً، أتمنى أن ألقاه وأعتذر له عن كل ما فعلته في طيشي، وعن إحراجي المتكرر له، وإن كنت واثقاً بأنه لم يحمل ولو لحظة واحدة في قلبه أي كره أو حقد علي، فقد كان أباً قبل أن يكون معلماً، ولكنني أتمنى أن “أحب رأسه”، فلو سمعت كلامه لكنت في مركز أو عمل أفضل مما أنا فيه بكثير، الآن رفاقي في مقاعد الدراسة الذين استغلوا وقتهم وأيامهم وتعبوا في سنة الثانوية، ارتاحوا طوال حياتهم، ها هم يشغلون أرقى المناصب والوظائف. البحتري: فما نفعَ التوبيــخُ من ذي مودّة ولا لومه يغني ولا عتبــه يجدي فمن كان ذا صبر على ما وصفته فقد فاز بالأجر الجزيل وبالحمدِ Esmaiel.Hasan@admedia.ae