لو أن الصدفة جمعتك مع امرأة سويدية جاءت متخلصة من كل مانع لحرية الإنسان وانطلاقته وعفويته وحبه الجامح للحياة، أول شيء ستظهره أنت الرجل الشرقي المحاصر بعقد الدنيا ووزر الآخرة والمتشرنق بما سيقوله فلان وبما ستتناقله الجارات، المكبل باعتذارات عن أشياء لم تفعلها في حياتك، إنما هي تكفير لفعل الأولين والأقدمين، ستظهر لها في التو والحال مدى تحضرك واحترامك للمرأة ولحريتها، ستظل تفتح أبواب السيارة في الطلعة والظهرة، وتحاول أن تحني عنقك المتيبس الذي لم يعتد انحناءة الرجل الجنتلمان، ستحاول أن تفك قليلاً من تصلب أطرافك التي اعتادت بث الأوامر والتهديدات والانفعالات لأم الأولاد، ستبدو لطيفاً وقابلاً للتشكل، ستكثر من كلمة شكراً وعفواً، من فضلك، ربما، لست متأكداً كثيراً سيدتي، ما هو رأيك ؟! ستظل تشغل لها حوار المسلسلات المكسيكية والتركية.
إلى أي حد قادر أن تهرب إلى الأمام وتتحمل شخصيتك غير الحقيقية والطارئة، إلى أي حد يمكنك التخلي عن جلافة الرجل الشرقي، كل شيء عنده قابل للتفسير وقابل لأن يكون عيباً ومحرماً ولا يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، وهذا يضر بسمعة العائلة وهذا ينكس رأس الوطن وهذا منقود وهذا ليس من شيم الرجال، في حين هي مثل ريشة تلعب بها الريح وهي راضية، كل شيء له خفة وفسحة من الفرح والحب والأمل، وكل شيء قابل لأن يكون مصدراً للسعادة وللضحك العارم من القلب، يغيب عنها الحرج والممنوع والخجل ومصائب بني عبس وغضب أمين عام الحزب، لأنك لا تمثل تيار الثورة الطاهر، ولست قدوة للطلائع وأنجال الثورة، كانت هي بعيدة عن كل هذا العبث، كانت تفكر في صنع أيام الحياة الجميلة القادمة وفقط•
السويدية يمكن أن تحدثك وهي فرحة عن الشيكولاته بالحليب وعن الأبقار الدانماركية وعن زبدتهم المشهورة، يمكن أن تنتقد الإنجليز لأنهم متأخرون عنهم، تكلمك عن مفهوم ما بعد الحرية وعن الطبيعية التي ينشدونها، وعن صفاء سريرة الإنسان وجوهر عقله، عن تفكيرهم المستقبلي لاستيطان البحر حينما تضيق بهم اليابسة وعن نوعية بيوت المستقبل، وتقول في نفسك: ما هذه الحياة التي نحن مدفنون فيها، يمكن أن تعلمك قيمة الاحترام الخارج من سجية النفس، لا المصطنع، ومعنى كلمة الشرف التي لا ترتبط في ذهنيتهم بممر ضيق هو الجنس، وعند المرأة فقط، وأن شرف الرجل هو الذي مثل عود الكبريت وأن الصدق أفضل قيمة في الحياة مع النفس ومع الآخرين، ولا معنى للخوف لأنه يورث الموت، وأن التحدي غاية النجاح، وأن النبل نهاية الأشياء الجميلة•
ها هي السويدية تأتي وتروح تاركة بساطتها وتجردها وعفو خاطرها يخترق ضلوعك، عابثاً بنمطية تفكيرك المؤطر، باعثاً فيك إنساناً آخر.. ليتك كنته منذ زمان!


amood8@yahoo.com