حين تنتهي كل الأشياء التي يمكن أن تدهشك في هذه الحياة وفي هذا العالم، فثق أنه وحده الإنسان لن يتوقف عن اجتراح هذه المعجزة، معجزة جعلك تندهش وبشكل لا تتوقعه، كل ما في الإنسان مدهش، دون أن يحمل هذا الإدهاش معنى إيجابياً أو سلبياً، فكلما التقيت شخصاً فاجأك بشيء ما، وكلما توغلت في الطرقات الخفية لشخصية ما فاجأتك تصرفاته وردات فعله ومفاجآته غير المتوقعة بشكل يجعلك تقتنع بمقولة إن الإنسان فعلاً كائن مجهول بامتياز ! في إحدى الحكايات التي تروى عن الشباب الذين كانوا منغمسين في حياة اللهو وسهرات الليل، كان مغنياً في إحدى الفرق الليلية، إضافة لكونه شخصية هادئة جداً ومسالمة أكثر مما يجب، وكان بعيداً جداً عن اعتناق القضايا الكبرى في الحياة، الأمر الفاقع في حياته أنه قبض عليه في سني مراهقته بتهمة ممارسة طقوس غريبة قيل عنها لاحقاً إنها تخص جماعة عبدة الشيطان، الا أنه ما لبث أن ثبتت براءته، مع ذلك فقد اختفى هذا الشاب فجأة وبدون مقدمات وفي ظروف غامضة !! بحثت عنه الشرطة طويلاً، واتهمت زوج والدته بقتله، وسجن زمناً دون أن يظهر أي دليل مادي يؤكد التهمة أو ينفيها فاطلق سراحه، وذات يوم من أيام الانفجارات الإرهابية التي هزت المدينة تم التعرف على جثته باعتباره صاحب العملية الإرهابية التي راح ضحيتها الكثيرون.. كان أحد أعضاء تنظيم إرهابي خطير في إحدى العواصم العربية !! تقول حكاية أخرى إن فتاة أحبت رجلاً من غير جنسيتها حباً يشبه حكايات الحب القديمة، حتى مضت في حبها إلى مراحل من الشغف والتعلق تفاجأت هي بها قبل أن يفاجئ ذلك الرجل، ولأنها امرأة فإن تعاملها مع العاطفة قد فاجأه وربما دفعه للشك وأوقعه في الحيرة أو في الذهول فهو لم يتوقع أو لم يحلم يوماً أن تحبه هذه الفتاة تحديداً، بدا عاشقاً مثالياً لأيام، لكن طبيعة الرجل وطبيعة الشرقي إضافة لطباعه الشخصية التي لم تعتد سوى على المألوف جعله يقف فجأة لينظر خلفه ويمد بصره الى الأمام ثم يفكر كثيراً وطويلاً، وحين سأل نفسه الى أين تأخذه المسافات الجديدة كان قد اتخذ قراره بالانسحاب، هكذا فجأة وبدون مقدمات !! تفاجأت وغضبت لكنها اقتنعت في نهاية الحكاية أن الرجل في العاطفة أكثر حذراً من المرأة، وأكثر تفكيراً في التفاصيل، وهو لا يقلق من شيء قدر قلقه من التغيير واختلال الواقع الذي بناه وأسسه طوال سنوات، كما أن الحب يعني المسؤولية والرجل لا يحب المسؤولية ويتجنبها ويهابها كمجهول مخيف. فاجأها إصراره على تبسيط الأمور، لكن وبعد مراجعة لكثير من تراث العلاقات العاطفية وكتب علم النفس التي تناولت شخصية الرجل والمرأة وموقفهما من المسؤولية اقتنعت بأن الغضب لن يقودها للدرس الصحيح، وأن الإنسان - رجلاً كان أو امرأة - لن يتوقف عن إدهاشنا حتى النهاية، ما علينا سوى النظر للأمور من هذه الزاوية لنستوعب ونتعلم لا أكثر ولا أقل، دون أدنى حاجة للضغائن والأحقاد فهذه ستزيد خسائرنا أكثر.. وسيمضي الإنسان صوب أسطوريته وغرائبيته دون أن يكتشف أقرب المقربين إليه أسرار نفسه كي يبقى قادراً على توليد حالة دهشته الخاصة. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com