يقال إن فترة الستينيات والسبعينيات وأول الثمانينيات هي الفترة الذهبية لكافة الفنون في عالمنا العربي من المحيط حتى الخليج. والكثير يلقبونها بأنها فترة الحب والإخلاص والمعرفة والتفاني في العمل، ولهذا كانت أغلب الأعمال الفنية من دراما وأفلام وأغان ناجحة، وتأخذ مداها من الشهرة والانتشار، لأنها حسب الذين عاشوا تلك الفترة جاءت صادقة وتوافرت فيها كل عناصر النجاح، بما فيها المستمع والمشاهد والمتذوق لهذه الأعمال الذي يمتلك من الوعي والمعرفة الكافية الشيء الكثير لتقييم ما يطرح من هذه الأعمال، ولهذا فإن هذه الأعمال نجحت وبقت في الذاكرة إلى يومنا هذا. من منا على سبيل المثال لا يذكر حلقات “ليالي الحلمية” أو “المال والبنون” والمسلسل الخليجي التعليمي إلى “أمي وأبي مع التحية”؟ من منا لا يحن إلى سماع أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم، أو عبد الحليم حافظ، أو عبد الكريم عبد القادر أو الراحل طلال مداح؟ من منا لا يود أن يشاهد أفلام الأبيض والأسود في التلفزيون العربي بشكل عام؟ كلها أعمال لم تبرح الذاكرة وبقيت محفورة في الوجدان العربي. اليوم نحن على أبواب مرحلة مهمة في التاريخ العربي جاءت من خلال الثورات العربية التي انطلقت في أغلب هذه الدول، وعلى كل ما هو سائد من روتين ومحسوبيات ومصالح شخصية، ومن وجهة نظري فإنها ستشكل مرحلة مهمة ومنعطفا خطيراً جداً في الدراما العربية التي تستعد لإطلاق جديدها في شهر رمضان المقبل، وكذلك الأغنية العربية التي تصارع من أجل إنتاج ما يرضي المستمع العربي وغيرها من الفنون الأخرى. فهل ينجح القائمون على هذه الفنون في تقديم السمين والمهم من هذه الأعمال؟ لا سيما أن المشاهد العربي أصبح أذكى من قبل، ويعرف كيف يقيم الجيد من الضعيف. لقد تطورت الوسائل الحديثة المنتجة لصناعة كافة الفنون سواء صناعة السينما والدراما العربية بشكل يسمح بإنتاج وتصوير ما لم يكن متوافقاً مع سياسة ومقص الرقيب في السابق، وأصبح الشباب العربي أكثر قدرة على صناعة برامجه وأفلامه ومسلسلاته وأغانيه لسهولة الإنتاج وقبلها توفر وسائل النشر الكثيرة عبر الإنترنت، وإذا كان الأوائل واجهوا المعاناة والترصد في صناعة موادهم سواء من نقص الأموال أو من خلال الخلفيات السياسية التي تمنعهم باسم الرقيب، فإن شباب اليوم لن يعدموا الوسيلة في ظل تطور التقنية الحديثة في عالم الكاميرات المتجدد وغيرها القادرة على صناعة إعلام شخصي يعبر عن كل ما يجول في خاطرهم. أتوقع أن يشهد الإبداع العربي مرحلة جديدة تتخطى ما شهدته الساحة في الستينيات فكل الظروف الآن مواتية لإبداع يعبر عن المرحلة التي نعيشها، وقد نشهد خلال السنوات القليلة القادمة أعمالا عربية تتجاوز حدود الإقليمية إلى فضاء العالمية بفضل ثورات الشباب التي غيرت الخريطة العربية. إبراهيم العسم