مرة زورّنا عجائزنا واشنطن، وأردن أن يرين البيت الأبيض الذي يسمعن به من أخبار الراديو، ونشرات أخبار التلفزيون، ولا يعرفن شكله، فقلنا نأخذهن في جولة، لكن شرطنا عليهن أن يعقنّ البراقع، لأننا مش ناقصين من الأميركان وفناتك الإرهاب فوبيا، أو العرب والمسلمين فوبيا، فقلن: بلا هالشيفة من دون براقع، نحن رحنا الحرم، وما عقينا براقعنا، أحين بنعقه في بلاد النصارى، فتراجعنا عن شرطنا، لأن عجائزنا الأوليات ما يعرفن الخمار، ولثامة الوجه، والحجاب الجديد، الوارد علينا من مكان لا نعرف أين؟ وهذا الحجاب “الإسلاموي” وضعه اليوم أخطر من البراقع اللي ما هقينا يوماً أنها بتفتننا، المهم.. بعد الحواطة التي بدأ الملل يتسرب إليهن من أولها، وبدأن يتشكين من ركبهن، ووجع المشي الذي بلا فائدة، فقلنا مستغربين: كيف بلا فائدة؟ هذا البيت الأبيض، يحج إليه كل الزعماء، ويخطب وده كل الملوك والرؤساء، ويعتبر بيت الآلهة التي تقود العالم، فعلقنا عجائزنا بتساؤل عمن تكون هذه الآلهة أو الدابة العودة، فقلنا: أميركا يا ماما، أو ماما أميركا، وهذا البيت.. بيت لرؤسائهم الذين لا يسكنونه أكثر من ثماني سنوات، فضحكن العجائز متعجبات بقولهن: بس! عَيَل ليش يسمونه البيت الأبيض وهو مدخن؟ ظهرونا منه، بسنا، حاشرين الناس به، البيت الأبيض.. البيت الأبيض! والله أن بيت الشيوخ أحسن منه! وأكبر وأوسع، وفيه براحة عودة، وذيك النخيل، وذيك الخضرة اللي ترد الروح، إلا ما نقول: عمار.. يا أبوظبي! فرددنا بصوت واحد: تقصدن مبنى الكونجرس؟ وكدنا أن نتبرأ منهن، ومن مرافقتهن!
مرة.. أستوقفتني عائلة أميركية تبدو قادمة للسياحة في بلدها الذي يشبه قارة كبيرة، بحيث لا يرون أن هناك بلاداً غيرها أو كبرها أو في عظمتها، والعادة أن الأميركيين في الغالب بسطاء ومرحون وذوو شخصيات اجتماعية، ويعتبرون الغريب الذي يرونه للمرة الأولى هو من سكان أميركا، ومن إحدى ولاياتها البعيدة، وكنا يومها نسحب العجائز، ونفسحهن أيام الأحد”بيك نك، وبار بيك يو” والعائلة الأميركية لا تمانع من مشاركتك في عطلتك ومرحك، وتتذوق أكلك، لأنه كله عندهم”فاني” أفراد هذه العائلة كانوا يبصرون عجائزنا ببراقعهن مندهشين، وكان الرجل العجوز منهم أكثر فضولاً، وفي فمه ماء، وأكثر من سؤال، ولا يعرف ماذا يقدم من الأسئلة، وما يؤخر منها، فحاول أن يتذكر اسم هذا الشيء، ولم يتوصل، فنعته بـ”هذا الشيء”، متسائلاً عن فائدته؟ فقلت له: أن البرقع له فوائد جمة، منها أنه قناع أو”ماسك أو بروتكشن” ضد حرارة الصيف، وفي الوقت نفسه، هو يشبه النظارة الشمسية للوقاية من الأشعة البنفسجية، هز الأميركي رأسه بقناعة، مع ضحكة عالية بقدر ما يسمح به العمر، وقال: وجهة نظر..”أوه.. سن كلاس”!



amood8@yahoo.com