من أجمل ما استمعت إليه من أحاديث شيوخنا الأجلاء، ذلك الحديث الذي دار عبر إحدى الفضائيات العربية، حول مكانة المرأة في مناسبة الحج الأكبر، وكيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوص أحداً بأحد في خطبة الوداع، كما أوصى الرجال بالنساء، وبضرورة منحهن حقوقهن كاملة، وعدم الاعتداء على هذه الحقوق. كان الأجمل أيضاً، تلك القراءة الجميلة لقصة السيدة هاجر عليها السلام، زوجة خليل الرحمن سيدنا إبراهيم، ووالدة سيدنا إسماعيل ، حين دعا إبراهيم ربه وهو يترك زوجته وابنه في واد غير ذي زرع عند البيت الحرام، لقد دعا بأن يكون هذا المكان مهوى أفئدة الناس من كل مكان، يأتونه راجلين وراكبين، ليشهدوا منافع لهم وليذكروا الله فيه.
لقد كان الحج، دعوة سيدنا إبراهيم، كرامة للسيدة هاجر الصابرة، التي صبرت على فراق الزوج، وعلى الوحدة في مكان قفر مقطوع مهجور، لا زرع فيه ولا ماء ولا بشر، مع ابن رضيع وحيد، لقد أرادت مشيئة الله أن تجري على أيدى خير البشر، ولأجل امرأة صابرة تفجرت زمزم ليطمئن قلبها على ولدها الظامئ الطامح لقطرة ماء، لقد تفجرت الأرض فيما بعد بالعبادة والنور، وبرسالة خير البشر سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
هذه هي مكانة المرأة عند الله، ومكانتها عند رسله أجمعين، وقد كان العرب قديماً على الرغم من قسوتهم وقلة حيلتهم وقصور ذكائهم أحياناً، لا يعرفون كيف يحمون هذه المرأة ويجنبونها العار فكانوا – لقصور وليس لعداوة – يدفنونها حية موءودة – بينما تشدد العرب مع الرجل الذي لا يحسن معاملة النساء، فقالوا إن النساء كريمات لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم.
في موسم الحج الأعظم وعلى عرفات في يوم الوقفة الكبرى، لا يتجلى أمر أعظم من علاقة العبد بربه وهو يقف في مواجهة النور على جبل النور، خاضعاً ذليلاً طامعاً في المغفرة والرحمة والقرب، هذا الرجل وهذه المرأة الراغبان في عفو الله ليس أمامهما باب أوسع للعفو من أمرين: التيقن من حقوق الخالق عليهما والاعتراف بحقوق بعضهما بعضا.
ليس أكرم من النساء عند الله وعند رسله، ولا بد أن تكون النساء كريمات عند الرجال، لأن إكرامهن ليس إلا برهاناً على علو قدر الرجل ومعرفته بحقوق خالقه وإيمانه بأمره في إكرام النساء، وإن المتفقه في كتاب الله والمتتبع للسيرة والتاريخ يعرف أن هناك سورة تتلى باسم النساء، وفقهاً كاملاً يدرس في فقه النساء، وأحاديث وأحكاماً خاصة، وسيراً لصحابيات أفتدين الدين والرسول بأنفسهن وأبنائهن وأموالهن، وعليه فإن ما تتحصل عليه المرأة اليوم ليس فضلاً للمناديات بحقوق المرأة، بل هو فضل من رب العالمين أولاً ومنه أخيراً.


ayya-222@hotmail.com