علمتني الحياة الاعتماد على النفس وترك الاتكال على غيري، وعدم انتظار الآخرين لتحقيق الأماني من ورائهم. أو بمعنى أصح أن أخدم نفسي بنفسي ولا أنتظر من غيري إسداء المعروف لي في تحقيق غايتي، أنا لا أرفض فكرة التعاون والمعاونة، ولكن أرفض تلك الخصلة السيئة التي يمتاز بها الكثيرون من الأشخاص الذين هم برأي “أناس اتكاليون”، غيروا مفهوم طلب المعاونة أو الخدمة إلى معنى الاتكال بسبب كسلهم، وتعودهم منذ صغرهم الاتكال على الآخرين، فمسألة الاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية أمر يتعلمه المرء منذ طفولته، و هو يتطلب وقتاً طويلا، وتحقيقه لا يتأتى دفعة واحدة، حتى الأطفال لا يمكنهم أن يعتمدوا على أنفسهم إلا بعد تدريبهم على ذلك، والمهمة تلك مسؤولية الآباء ،خاصة أنَّ عملية التدريب قد تتطلب مجهوداً وصبراً من الأهل، ولكن التعب في سياقها أفضل من تأجيلها وترك الطفل اتكالياً حتى في أبسط احتياجاته.. وهنا تكمن المفارقة بين الأشخاص من حولنا، فقد نصادف أناساً ينتظرون رزقهم من عرق الآخرين، وقد نشاهد في الطرف الآخر أناساً يبحثون عن رزقهم ولقمتهم من عرق جبينهم ليحسوا بطعمها المميز، وهي لقمة لا يدرك طيب مذاقها، برأيي، إلا مجربوها. يُروى أن رجلاً أرسل ابنه في تجارة، فلما كان في الطريق، مرّ ثعلب مريض كبير السن، لا يكاد يستطيع الحركة، فوقف عنده يفكر في أمره، ثم قال في نفسه: كيف يرزق هذا الحيوان الضعيف؟ ما أظن إلا أنه سيموت جوعاً. وبينما الشاب على هذا الحال، أقبل أسدٌ كبيرٌ يحمل فريسته، وجلس بالقرب من الثعلب، فأكل منها ما شاء أن يأكل، ثم انصرف، فتحامل الثعلب على نفسه ووصل إلى بقايا الفريسة، وأكل منها حتى شبع، عندئذ قال الشاب في نفسه: إن الله يرزق المخلوقات جميعاً، فلماذا أتحمل مشاق السفر وأهوال الطريق؟ عدل الشاب عن سفره، وعاد إلى أبيه، وقص عليه ما رأى، ولكن والده قال له: أنت مخطئ يا بني، فإني أحب لك أن تكون أسداً تأكل الثعالب من بقاياك، لا أن تكون ثعلباً تنتظر بقايا السباع... ومن أقوال الحكماء : نفسك أنفع لك من كل صديق وكل قريب... (جان لافونتين) لا ينبغي للإنسان أن يضع أمله إلا في نفسه... (فرجيل) مريم الشميلي Maary191@hotmail.com