الفن ذاكرة الشعوب، وكلمة السر لتخليد الوجود الإنساني، ولغة التفاهم، والقاسم المشترك الذي يضع بني البشر في وعاء التكوين الأول.. الفن هو الحل إن ضاقت حلول المسألة، وتورَّمت المعضلة، وتفاقمت عقبات ونكبات ونكسات وكبوات .. ومسرات الفن رسالة الإنسان للإنسان، وموعظته وعبره، إذا شحَّت ترب السياسة، واكفهرت دروب الاقتصاد، وتيبَّست عروق الوجدان البشري، واحتدمت الحروب، واشتدت الخطوب، وأدمت القلوب ..
فن الإنسان في صناعة الإشراقة وصياغة اللباقة، واكتساء اللياقة، والسير بالفكر الإنساني نحو غايات أرحب، ورايات أخصب، وأناشيد أعذب، وقناديل أكثر ضياء، ومواويل أكثر انتماء إلى الروح والجسد.. الفن الرسالة التي لا يقهرها زمن ولا تكسرها محن، لأنه التجلي الذي لا تخطفه نزعة عابس، والتحلي الذي لا تحبطه رغبة بائس، ولأنه الضوء البازغ من شرايين المحبة للحياة، ونبذ الكراهية، والبغضاء والعدوانية ضد الآخر، وقلبها ضد الذات.. الفن نزعة الإنسان نحو تأسيس مملكة التراحم والتلاحم والتفاهم، وتقاسم رغيف الحياة، والمشاركة الحقة في بناء صرح النهوض والتطور، دون غواية أو وشاية.. وتأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للمعرض الفني الخاص برجل الأعمال الدكتور فرهارد فرجام، تتويجاً للنهج الذي اختطه سموه في دعم وتشجيع كل ما يخدم البشرية، وينير دروب الإنسانية، وكل ما يقاوم البؤس والشقاء والاحتقان، سياسة بلد، رسمتها قيادة واعية بأهمية أن يصير الإنسان إلى نشوء وارتقاء، واتقاء لكل ما يضيره، ويسوء حياته، ويغبش نهاره ويغشي ليله، ويعكر صفو تفكيره.
سياسة بلد تنعم بما أنعم الله على قيادتها من خير الفطنة، وجزيل الحكمة، ورخاء الرؤية السديدة، التي كلها رسمت معالمها على وجه الوطن، ورسخت جذورها في وجدان الإنسان، ومنحت هذا الشعب الخيّر، كل ما يحتاجه من أماني وآمال، لأنه شعب محب يرى في الحب فسحة لتفرع أغصان الشجرة الواحدة، واخضرار أوراقها، وينوعها ويفوعها.. هذا الفن الذي ترعاه القيادة، وتهواه الشعوب المحبة للسلام والوئام والانسجام، هو فن الحياة، فن التواصل مع الذات، ثم الآخر، بسلاسة النفوس العفية، والقلوب الندية، والعقول الذكية، هو فن تنتمي إليه بلادنا بتاريخها العريق، وحضارة شعبها الممتد بحراً، المسترخي عند شفة الصحراء، المتطلع إلى السماء، الناجي دوماً من غبراء أو شعثاء بفضل من يقدمون الخير، كمبدأ والتزام أخلاقي وإنساني.. إشادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالمعرض الفني، وما يحتويه من أعمال فنية إنسانية وإسلامية، تقدم زخماً معرفياً، لمن يريدون أن يقرأوا تاريخ النهضة في بلادنا الحبيبة، وما ترفده للعالم من ماء فرات، بهدف تعميم الخير، وعدم اقتصاره أو احتكاره على بقعة من الخريطة دون أخرى.. هذا هو فن الذين يعرفون قيمة الفن وقيمه وقامته ومقامته.


marafea@emi.ae