لن تدرك ماذا فعلت أبوظبي في جزيرة ياس، إلا عندما تتخلى عن صمتك وتستدعي شغفك، وتذهب إلى هناك، وتجلس في أحد مدرجات الحلبة، سواء الشمالي أو الغربي، أو أيها شئت، وتطالع هذا الإسباني على يسارك يؤازر ألونسو، وذاك الأسترالي يمينك يشجع مارك ويبر، وهذا البرازيلي القادم لدعم ماسا، وألماني مع فيتل، وانجليزي مع هاميلتون أو باتون، وحتى إذا تركت مقعدك في المدرجات، لتطوف في أرجاء الحلبة، سواء في واحة الجماهير أو البادوك أو أطللت على مرسى اليخوت، ستقرأ العديد من العناوين، التي هي لدى الغرب تصلح للأغلفة وللصفحات الأولى.
العام الماضي، كنت قد كتبت عن «الرمال الذكية»، وكيف أن رمالنا بفضل الله، وبحب قادتنا تتحول إلى صروح مجد وعز، وكيف أن الله جند لهذا الوطن قادة يحبونه وأن حلبة ياس التي شهدت السباق، إنما هي مشروع وطني يصب في صالح المواطن الذي ينعم بالأمن والرخاء، مستظلا بظل قيادة محبة، لا تدخر وسعا في تقديم كل ما فيه رفعة الوطن وازدهاره.
ووقتها سقت عدداً من التصريحات القادمة من كل صوب، والتي أكدت أن حلبة ياس، بلغت في روعتها حد الكمال الإنشائي، وكان منها، ما صرح به بيرني إيكلستون ملك الفورمولا ورجلها القوي والمالك الحصري لحقوقها وعاد ليكرره اليوم، ليؤكد من جديد أن العالم عليه أن ينتظر مائة عام على الأقل ليفكر في إيجاد حلبة مشابهة لحلبة ياس، وكذلك ما قاله جون تود رئيس الاتحاد الدولي لرياضة السيارات الذي قال إن الحلبة وضعت كل من يفكر مستقبلا في إنشاء حلبة في مأزق، واليوم كلهم هنا أيضاً، بعد أن أسرتهم أبوظبي وجولتها، للدرجة التي دفعتهم جميعاً للتأكيد على معنى واضح ومهم، وهو أن حلبة ياس، باتت هي الحدث قبل السباق، وأنه حتى لو لم يتأجل الحسم إلى أبوظبي، ما فقدت الجولة قيمتها لأنها هي القيمة وهي النجاح.
أعود لأكرر ما سبق وأكدته وهو أن حلبة مرسى ياس، شاهد على إرادة شعب أراد لنفسه مكانا تحت الشمس، وأراد أن يسابق العالم في حلبة التطور وأن يثبت أن العرب لديهم ما يضيفونه للمسيرة البشرية بشتى صنوفها، وأن سباق الفورمولا-1 رسالة بأن سباقنا نحو المجد مستمر وبأننا قادرون على إبهار العالم.
ما رأيناه على حلبة ياس، رآه كل العالم بشغف ربما يفوق شغفنا، ويفوق انبهارنا بالحدث، والسبب أنه عندنا وأننا من صنعناه، وأن تلك الصروح المبهرة باتت هي العنوان للعمل في الإمارات بفضل قيادتها التي لا تتوانى عن تقديم كل ما من شأنه رفعة هذا البلد.
كلنا سنقف على أطراف أصابعنا اليوم مع العالم في انتظار الكشف عن البطل، بعد أن تضامنت كل حلبات العالم مع درتها وملكتها «ياس» فاختارت طواعية أن تؤجل الحسم ليكون على مسرح أحداثها، وسواء كان الفائز ألونسو وهو الأقرب أو ويبر أو فيتل لن ننسى أننا نحن من فاز وأن أبوظبي هي «العروس» وياس هي درة التاج الرياضي.
كلمة أخيرة
بالأمس، كما هو الحال طوال أيام السباق، وحتى قبلها وبعدها، لم تكن ياس مجرد حلبة، لكنها مدينة جديدة تهديها أبوظبي للإمارات وللعرب والعالم.


محمد البادع | mohamed.albade@admedia.ae