لا تهزمني إلا المدن التي يتجاور فيها الجبل والبحر، فكيف إن زادت الفجيرة عليهما النخل الذي يفرح العين بلونه الأخضر الساكن، ويبهج المرء بتلك الرائحة التي تشبه الطمأنينة، والتي ينثرها على صدر الزائر، مباركاً سعيه وقدومه، هكذا أسجل إعجابي الدائم لهذه المدينة الأليفة بطيبة ناسها، والدافئة بأشيائها وأشيائهم الأصيلة، قد تتباعد زياراتي لها، لكن الحب يجدد نفسه، ويبقيها من الأثيرات على القلب، المتربعات على ضفته جهة الشمال. لقد سنحت لي الفرصة أن أكتحل بمشاهدة الفجيرة ليومين من بعد أعوام من القطيعة المخجلة دونما سبب، فقط حين وصلتها شعرت أنني لابد أن أعتذر لها عن كسل غير مبرر، وعن حب لا أقدر أن أكتمه، وعن فرحة تلعب تحت أجنحتي كلما حطّت بي الريح ها هنا، وعن حنين متوار تسلبنا إياه تلك المدن البعيدة والقريبة المرتفعة بأسمنتها وزجاجها، فلا أقوى أن أخفي تلك الابتسامة التي تظل ماكثة طرف الفم حين أتوحد بالممتع أو أستدفئ المكان أو ألتقي بعزيز غائب، في حين اكتفت هي بالمسامحة في الحال كخالة طيبة، ما لبثت أن بعثت شيئاً من الرضا للنفس الأمّارة بالحب. يومان.. مرا بفرحهما بالمدينة، وبفرحة اللقاء الوطني الثقافي السنوي، وهو تقليد درجت وزارة الثقافة أن تحييه كل عام في مدينة من مدن الدولة منذ خمس سنوات، بغية طرح المواضيع ذات الهم والشأن التي تخص مجتمع الإمارات، وتقلق إنسانه، وكان موضوع هذا العام بالغ الأهمية إذا ناقش الحاضرون مسألة تأثر منظومة القيم والمعايير الأخلاقية في مجتمع الإمارات بالدورة الاقتصادية وعجلتها الجديدة، بالتدفق الإعلامي وسهولة التواصل عبر الشبكات الإلكترونية، أثر التربية والتعليم وعلاقتهما المباشرة بمنظومة القيم الاجتماعية، الدراما خاصة التلفزيونية، ودورها القوي في دعم أو تقويض مفاهيم هذه القيم التي نريدها أن تقوى بوعي ومعرفة دون انغلاق على النفس أو خوف من الغريب أو القادم. وليلة.. مرت بسحرها وجمالها حيث احتضنتنا قلعة الفجيرة العامرة في أمسية للمزافنة بالسيف، وهو تقليد شعبي جميل، أتمنى أن أراه حينما تقيم الدولة معارضها بالخارج أو حين تشارك في مهرجانات ثقافية بتقديم هذه اللوحة الفلكلورية الجميلة النابعة من جذور هذه الأرض وتعب رجالها. ونهار.. مر قضيته مستذكراً أماكن زرتها قبل سنين طويلة، وكيف تغيرت، وإن بقي الناس على فطرتهم ومعدن أصالتهم، وأماكن أثرية فرحت أنها رممت، وصينت، وفتحت للزوار، وجعلت على خريطة السياح، كان النهار بطوله في مدح البحر والجبل والنخل، وفي سيرة الناس الطيبين أولئك الذين يعطون للفجيرة عطرها ولونها. ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com