حكايات الصيف كثيرة، خفيفة أحيانا، وغريبة أحيانا، ومثيرة في أغلب الأحيان، زمان كانت حكايات الصيف مرتبطة أغلبها بالبحر والبنات والأولاد الذين ينهون مدارسهم فلا يجدون تسلية أفضل من قراءة المجلات المصورة التي تعج بحكايات الحب والغرام، فيتخيلون أنفسهم ينسجون علاقات عابرة كتلك التي قرؤوها، لكن بعضهم يصدف أن يعيش حكايته العابرة والحقيقية على طريقته الخاصة، فإذا انتهت أيام الصيف الحارة والمملة بدأت حكاية المدارس والكتب والامتحانات، وأعين الأهل التي لا تغفل ولا تغيب.
حكت لي سيدة طاعنة أن حكايات «الشيطنة» التي يعيشها المراهقون الصغار ليست وليدة اليوم، وانه لطالما كان هناك مشاغبون صغار ومعاكسات تتفلت من حصار الأهل والجيران في تلك الأيام الشديدة الالتزام والمحافظة والرقابة، فعجبت كثيرا لقولها، وسألتها: فإذا لم يكن هناك انترنت ولا شات ولا موبايلات ولا بي بي، ولا مولات، فكيف أمكن لمراهق عاثر أن يعاكس صبية محجوبة وراء الأستار التي لا تعد ولا تحصى؟ فابتسمت قائلة: كان يوجد على الدوام طرق للتعبير عن الإعجاب منذ أيام عنترة وقيس ابن الملوح حتى وإن لم يوجد موبايل وانترنت.
بقيت صناعة الحب وطقوس التقرب وإبداء الإعجاب بين المراهقين والشباب الصغار، واحدة من وسائل اكتشاف الذات والآخر في كل التاريخ، كما أنها شكل طبيعي لتقييم الانتماء لجنس مغاير عن جنس المحبوب أو ذاك الذي يحظى بالإعجاب، ولطالما اكتشف الأهل هذا السلوك بين الصغار فنظروا اليه نظرة تتجاوز الريبة وتقترب من التفهم والوعي دون أن يحملوا المسائل أكثر مما تحتمل.
حكت لي تلك السيدة بأنها فوجئت ذات صباح بجارتها تصطحب معها ابنتها ذات الأربعة عشر من عمرها لتضعها أمانة بين يديها لأنها ذاهبة في سفر طويل مع زوجها في رحلة علاج، ولقد أوصتها بالصبية لكنها لم تقل لها شيئا عن “شيطنتها” التي لا يمكن تصور مداها، وبعد أيام معدودة اكتشفت المرأة كم كانت مخطئة حين فرحت بوجود الصبية في بيتها.
لقد أصبح بيتها مهوى فؤاد ابن الجيران الذي صار يأتي لمنزلهم بسبب وبدون سبب، مع انه كان صغيرا جدا على هذه “السوالف” كما تقول، كانت كل يوم تكتشف وجودهما متجاورين في مكان فكانت تجن ويطير عقلها، أولًا لأن هذه الصبية أمانة عظيمة، وثانياً لأن لديها رضيعا لا يمكنها إهماله لتعقب تحركات مراهقين بهذه الشقاوة، فطردت الصبي وهددت أهله، وكادت تربط الفتاة بحبل الى رجل السرير في غرفة نومها، وما أراح قلبها إلا عودة والدي الفتاة بعد شهر من سفرهما الطويل.
عجبت للحكاية كثيرا، فكيف اجترحت تلك المراهقة جرأتها العجيبة، وكيف تمكنت من تخطي الحواجز الاجتماعية، وكيف مرت الحكاية على من عرفها هكذا مرور الكرام، يومها فقد عرفت أم الفتاة بالحكاية لكنها تقبلتها من قبيل شقاوة ابنتها التي تعرفها جيدا، ما يدل على حالة من المرونة في التعامل مع المراهقين تدل على رفق أولا وعلى وعي بأصول التعامل النفسي مع هذه الشريحة العمرية التي تحتاج تفهما كبيرا فيما يخص العلاقات مع الجنس الآخر، منعا لأي انحرافات وسلوكيات خفية مدمرة.


ayya-222@hotmail.com