عندما تمكن روبرت ميردوخ امبراطور الإعلام في الغرب من الاستحواذ على أكثر الصحف في بريطانيا واستراليا والولايات المتحدة وغيرها من الدول، قرر أو خلق لنفسه قاعدة تمكن بواسطتها من انتشال أكثر الصحف فشلاً وتدنياً في مستوى المبيعات، قاعدة ميردوخ تروج لثلاثة مجالات رأى أنها تشكل اهتمام الجماهير في كل مكان: الرياضة والفضائح والموضوعات الجنسية، وهو قد انتشل صحفاً من خضم الخسائر المادية المتلاحقة لتحتل قمة الإقبال الجماهيري بسبب هذه الوصفة السحرية التي تتناسب كثيراً مع طبيعة المجتمعات الغربية أولاً، ومع ذهنية الفرد الغربي الذي تختلف معاييره ومقاييسه عن الفرد الشرقي أو المسلم بشكل عام.
الحرية تقرأ في صحف ميردوخ بشكل مختلف وكذلك قضايا المجتمع، فالفضيحة، والصور الخارجة عن الآداب العامة، والقصص التي تنتهك الخصوصية والقيم والأخلاقيات بالنسبة للفكر الذي يؤمن بنظرية ميردوخ يعتبرها الخلطة السحرية لصحافة ناجحة ولإعلام رابح بمقاييس الربح المادي، ولا يهم بعد ذلك الخسائر الاجتماعية والكلفة الأخلاقية التي تدفعها الجماهير أو الأجيال الشابة أو الأطفال مثلاً.
مع ذلك، ولنكن أكثر واقعية، ألا تلجأ كثير من الصحف العربية إن لم تكن أغلبها الى فبركة جرائم لا وجود لها إلا في مخيلة المحرر ورسام الجريدة، لإيهام الناس بحكايات مثيرة وقصص تقشعر لها الأبدان عن أم قتلت وليدها وألقته في الزبالة ورجل اغتصب ابنته و...، لا أدعي بأن هذه الحكايات لا وجود لها فنحن لا نعيش في عالم مثالي، لكن الفبركة أصبحت موجودة ومعروفة وهي مضاد واضح لمبدأ الشفافية والحرفية والأخلاقية الصحفية، وإن الذين يلعنون منهج ميردوخ لا يفعلون شيئاً آخر حين يكذبون على القراء ليجتذبوهم بهذه الجرائم الوهمية، فالهدف لكلا الفريقين: جيوب المعلنين والقراء معاً.
صحف الفضائح تنتشر في محلات البقالة في الغرب، والناس يشترونها بشكل عادي هناك دون خجل ولا مواربة ولا خوف، فهذه في نهاية الأمر أخلاقيات مجتمع واتجاهات وقيم لن ندخل في جدل حولها، لكننا نحن الذين ندعي خلاف ذلك ونرفع شعارات القيم العليا صرنا نجد هذه المجلات والصحف في حقائب أبنائنا وشبابنا وحتى شوابنا العائدين من دول الغرب، كما نجد أن أكثر المواقع الإلكترونية دخولاً هي تلك التي تتجاوز الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالمحرمات الثلاث المعروفة عندنا: الجنس والدين والسياسة.
إحدى الصحف العربية الإلكترونية تحقق أعلى معدلات دخول على موقعها بسبب هذا التجاوز وبسبب الموضوعات شديدة الحساسية التي تطرحها فيما يخص السياسة وموضوعات الحياة الجنسية إضافة الى صور الفنانات التي تشكل مشهداً صادماً في الصحافة العربية بكل هذا العري والتهتك، فلماذا هذا الإقبال اذاً؟ إنه لكل هذه المحظورات المباحة بالتأكيد.
هناك إشكالية تناقض ضخمة يعيشها المواطن العربي مع إعلامه، ولا ندعو لإباحة المحظورات بالتأكيد، كما لا ندعو لتبني نهج ميردوخ، لكن رفع سقف الحرية بشكل من الأشكال ضروري حتى على مستوى العلاقة مع الإعلام وعلى مستوى المصداقية والخسائر، وعلى مستوى الإقبال والاهتمام بما تقوله صحافتنا وإعلامنا، وحتى نكون إعلاماً خاصاً بنا له شخصية واضحة الملامح وليس كما هو الآن قائم على التقليد والاستنساخ المشوه يريد أن يحقق نجاح إعلام الغرب بمواصفات قيم الشرق، تلك معادلة صعبة جداً.


ayya-222@hotmail.com