ما أصعب أن ترغم إنساناً على فعل أمر ما - حتى لو كان في مصلحته- ولكنك قد تُجبَر أنتَ نفسك على هذا الإرغام أحياناً، بدافع الحب! ننظر إلى أطفالنا، فلذّات أكبادنا وهم يغطّون في نوم عميق، نترددُ أحياناً في إيقاظهم في الصباح، مشفقين عليهم، من تكدير صفوة نومهم، ولكننا بدافع الحب نقتحم عليهم أحلامهم، بالتوسل تارة، وبالاحتيال تارة، وبالقوة تارة أخرى، نراوغهم، نداعبهم، ثم ننتزعهم من فراشهم الدافئ، منهم من يصحو باسماً، ومنهم من ينهض على مضض متبرماً، لاعناً في نفسه الساعة التي سجل فيها في المدرسة التي بسببها يستيقظ كل صباح، قليل منهم من يصحو من تلقاء نفسه، نشيطاً مندفعاً إلى روضته، أو مدرسته، راغباً في صف يضم أصدقاءً، ومعلماً أباً ثانياً، «أو أماً ثانية معلمة»، يفتح أو تفتح له نوافذ العلم والمعرفة، مدخلاً أو مدخلةً المعلومة إلى ذهنه، مروراً بقلبه قبل عقله. عناء يومي يعانيه، الكثيرون منّا، لا يستطيع أحد أن ينكر قلة الدافعية لدى الطلاب باتجاه المدرسة، أو انعدام جاذبية المدرسة في البلاد العربية أحياناً، ولهذا أسباب كثيرة ومتشعبة، ولكن الجاذبية مهمة جداً لإنشاء جيل مُحِب للمعرفة والعلم، ليأتي ساعياً لهما، بحب ورغبة ذاتية. وسيبقى حض أبنائنا على الذهاب إلى المدرسة نوعاً من الإجبار والقسر، الذي لن يؤتي الثمار الطيبة إذا لم تتولد لديهم الدافعية أو الجاذبية نحو التعلم، والمدرسة، ولابد من زرع هذه الدافعية التي لا تتحمل مسؤوليتها فقط المدرسة من معلمين وإداريين وموجهين اختصاصيين، وتربويين، إنما تشاركها في المسؤولية الأسرة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وكل فئات المجتمع، وحين يصل الطالب إلى درجة يصبح فيها الدرس متعة ، لن تعود المدرسة وموادها عبئاً على الطالب. وحين يصبح درس اللغة العربية وخاصة النحو شائقاً ممتعاً، وفُسحة ومُتعة واستراحة واستفادة حقيقية عملية، سيكون ذلك حافزاً لتعلم العلوم الأخرى وفهمها بشكلٍ أفضل؛ لأن عدداً كبيراً من الطلبة لديهم قُصورٌ في فِهم المواد الأخرى بسبب عدم فهمهم لغتهم الأم، فإتقان الطالب لغته الأم، وتمكّنه من أدواتها ونحوها وبلاغتها وأساليبها يُساعده على فهم العلوم الأخرى مثل الرياضيات والفلسفة والجغرافيا وغيرها من العلوم. وأظنُ أن النحو مشكلة يعانيها الكثيرون، خاصة الطلاب، لأن النحو في أذهانهم مادة صعبة معقدة أكثر من الرياضيات؛ يكاد يكون النحو بقواعده لدى الكثيرين من أبناء الضاد نوعاً من الطلاسم والتعقيد، وأنّ دراسته أشبه بالنحت في الصخر ولا سبيل لفهمه، بسبب تشعبه وتفاصيله الكثيرة التي لا يمكن الإحاطة بها، وفي هذا جانب من الحقيقة، لأننا نبدأ تدريس النحو في البلاد العربية بالغوص في التفاصيل والشروح المعقدة للإعراب دون النظر بصورة شمولية لأهداف وماهية وجوهر النحو، وهذه التفاصيل سرعان ما تنسى فور انتهاء السنة الدراسية. يجب أن يفهم الإعراب بأنه فهم المعنى فلا إعراب بلا معنى. المتنبي: مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَانـي بمَنْزِلَـــةِ الرّبيــــعِ مـــنَ الزّمَــانِ وَلَكــِنّ الفَتــــى العـَرَبيّ فِيهَــــا غَرِيبُ الوَجْــهِ وَاليَــدِ وَاللّسَــانِ مَلاعِـــبُ جِنّـــةٍ لَوْ سَـــارَ فِيهَــا سُلَيْمَــــانٌ لَسَـــــارَ بتَرْجُمَـــانِ Esmaiel.Hasan@admedia.ae