ذات مرة كنت استمع لمسؤول رفيع يحدثني عن فترة عمله سفيراً للدولة في عاصمة عالمية كبرى، وتسجيله في إحدى كبريات الجامعات فيها كطالب دراسات عليا، فقال إنه ما أن استخرج بطاقة طالب، حتى فوجئ بكم التسهيلات المتاحة لحامل بطاقة طالب، أكثر بكثير من الدبلوماسي. ففي كل مكان، من تذاكر قطارات، وطائرات، وحتى تذاكر السينما والمسارح والمتاحف والمكتبات والفنادق وغيرها من الأمكنة للطالب والمسن، حسم خاص لا يقل عن خمسين بالمئة.
وقال إنه كان يستمتع بذلك لا من الناحية المالية، وإنما لمستوى ما يحظى به طالب العلم من تقدير ورعاية. وتذكرت عندما زرت عاصمة عربية قديمة، وعنى لي ارتياد دار للسينما فرأيت منفذاً خاصاً بالطلاب، يبرز الطالب أمام موظف “الشباك” بطاقته الطلابية، فيدفع نصف ثمن ما يدفعه غيره من مرتادي السينما الآخرين. وحتى في قصر الحمراء بغرناطة المنجم الذي يدر للاقتصاد الإسباني أكثر من مليار يورو سنوياً، هناك تذكرة خاصة برسم أقل ومخفض للطلاب والمسنين.
أذكر هذه النماذج بينما أتابع نظرة العديد من جامعاتنا الخاصة للطالب على أنه الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً، فعلاوة على الرسوم الجامعية المرتفعة والأقساط التي تلهب الجيوب، لا تتردد بعض هذه الجامعات في فرض مئة درهم عن كل ورقة يريد استخراجها الطالب من سجلاته!!. وفي زيارة لإحدى هذه الجامعات وجدت أن ركن المطاعم فيها يضم عدداً من المطاعم والمقاهي التابعة لسلاسل عالمية، والأسعار فيها لا تقل عن مثيلاتها في أي مركز أو “مول” تجاري.
بعض هذه الجامعات أصبح لا يهتم حتى بقبول الطالب العادي أو الذي يتكفل ذووه بنفقات دراسته وأقساطه، مقابل طلاب المنح أو الموظفين الذين يرسلون إليها باسم “التأهيل”، لأن شيكات الرسوم الجامعية الخاصة بهم ترسل إليها دفعة واحدة، بعيداً عن “صدعة” أهل الأقساط وطالبي التأجيلات. في مسلك لا يختلف عن تصرفات أي تاجر من أولئك الذين يرحبون بمشتريات الجملة، ويفضلون دائماً الذي يدفع نقداً و”كاش”. وأستغرب لم لا ترسل تلك الدوائر موظفي “التأهيل” إلى جامعة الإمارات في العين أو كليات التقنية، وتساهم بذلك في إنعاش ميزانيات مؤسسات التعليم العالي في البلاد.
تلك النوعية من جامعات السلوكيات التجارية في تعاملها مع الطلاب، مدعوة لمراجعة سياساتها، بإظهار حد أدنى من المسؤولية الاجتماعية نحو تعزيز مسيرة التعليم العالي، وإدراك مسؤولياتها في مساعدة طلابها على إتمام تعليمهم الجامعي بيسر ومن دون تعقيدات. لا أحد يطلب من هذه الجامعات أو الكليات تقديم خدماتها بصورة مجانية، وإنما برسوم تكون متاحة وفي المتناول، فالتعليم الجامعي لم يعد ترفاً إنما أصبح في صلب المعادلة التنموية والتحول نحو اقتصاد المعرفة. كما أن تقديم خدمات ومستوى نوعي يجب ألا يكون مبرراً لتلك الدور الجامعية للمبالغة في رسومها، والخدمات التي تقدم، وأصبح كل شيء فيها بمقابل حتى استخراج ورقة لا تحتاج أكثر من ضغط زر “الكمبيوتر”.


ali.alamodi@admedia.ae