ذهبت مرحلة وجاءت مرحلة والمراحل سواحل عندها ترسو مراكب وتخب أخرى ولكن ما يبقى هو الأمل وكيف ينتعش وكيف يرسم لوحته المذهلة.. في تونس الخضراء اليوم تهلل الزيتون مفترشاً أحلامه مغتبطاً لأن أوراق الزيتون امتصت كثيراً من ثاني أكسيد الكربون حتى اختنقت فاحتقنت فأيقنت أنه لا ملاذ غير الفضاء الوسيع ولا تعويذة غير الأحلام.. الكربون.. ولكن هل ياترى حقيقة ما يجري بمعنى هل يستطيع الفضاء أن يتحمل تغريد العصافير وهديل الحمام دون أن يلجمها أو يحجمها أو يكظمها كونه فضاء اعتاد على التضييق والتحديق ما دون أخمص القدم.
الديمقراطية ثوب مطرز ومخرز ومعزز بألوان وأشجان وألحان، والديمقراطية قد تكون أشرس من نقيضتها إذا ما استولت عليها أصابع مخملية مسلحة بأظافر وحوافر تقود إلى المقابر قبل غيرها.. الديمقراطية لون من ألوان قوس قزح بألوانها الزاهية وشعاراتها المتعافية قد تكون الباحة الواحدة وقد لا تكون.. قد تكون الزلزلة التي تخلخل هرمونات الجسد وتطيح بالآمال والأعمال لسوء الأفعال.. الديمقراطية، الحلم، وكثير من الأحلام التي تعقبها كوابيس تحبس الأنفاس وتحيق بالإنسان ما يجعله يندم على ما فات.. والمثل يقول: “اصبر على مجنونك لاييك أجن منه”.
دول كثيرة وشعوب تشبثت بالديمقراطية لاعنة سبيل نقيضتها سيئة الذكر، ولكن.. ولكن كان في الخفاء يدور ما يسقم النفس ويكظمها.. كان التيار الهوائي الذي يحثو التراب في العيون ويهيج الموج كي يغرق القارب ومن فيه.. في تونس اليوم نشوة عارمة برحيل مرحلة ومجيء أخرى، والجميع يحلم كما نحلم بأن يكون العود أحمد، وألا تتمخض الديمقراطية عن فأر أجرب اسمه الفوضى يفشي أسرار الطاعون في الأجساد عندما تغوص في العمق بلا رؤية ولا قدرة على تحمل اكتظاظ الأجساد الأخرى.. تونس الخضراء، تونس العزيزة بحاجة اليوم إلى ذهنية جديدة تستدعي من الذاكرة ثوابت لا تَفُرِط ولا تُفَرِط لأن الوطن فوق الأحقاد وفوق الاعتبارات، شخص ذهب وآخر أتى.. الأوطان لا تحفظ بالعواطف والمشاعر الجياشة وإنما بالقدرة على توخي الحذر، من غادر ومكابر ومن كل محتال ومختال، ومن كل مستفيد يريد أن يخوض في المياه العكرة.. أتمنى ألا يدفع الحقد والاحتقان بمجافاة أبناء الدم الواحد والوطن الواحد، والهم الواحد لدم الوطن.. أتمنى أن تصير الديمقراطية الميزان والاتزان لصيانة الوطن وتحصينه من أصحاب الحدقات الواسعة.. حفظ الله تونس وألهمها تقوى الديمقراطية لا رمية العبث.. حفظ الله تونس وشعبها ومنع عنها القيد والليل وجعلها خضراء هيفاء فيحاء.

marafea@emi.ae