طلب مني الكثير من الزملاء والقراء أن أستغفر وأتوب إلى الله تعالى لما اقترفته “حسب رأيهم” أمس من جرم وإثم عظيم، بل ذهب البعض لأبعد من ذلك بطلبه”التوبة”بمجرد أنني ذكرت في زاوية الأمس “شاءت الأقدار التعيسة”.
ولهم أقول إن القدر في اللغة هو التقدير، قدرت الشيء أقدره تقديراً إذا جعلت له مقداراً ووصفاً يكون عليه، إما في هيئته، أو في وقت وقوعه، أو ما أشبه ذلك، وهذا يقوله المرء عن نفسه فيقول أقدر أو يقدر أنه يفعل كذا وكذا في اليوم الفلاني يفعل كذا، وفي اليوم الفلاني يفعل كذا، يعني يجعل لأفعاله مقادير مؤقتة بأوقاتها وفق إرادته هذا من جهة اللغة، أما من جهة الشرع فإن القدر عرف بعدة تعريفات، اجتهد فيها العلماء، ومن التعريفات الحسنة في ذلك أن يقال: القدر هو تقدير الله جلّ وعلا للأشياء قبل وقوعها بعلمه بها الأزلي وكتابته لها في اللوح المحفوظ وخلقه سبحانه لكل شيء وأن لا يكون شيء إلا بمشيئته تعالى.
هذه الأقدار هي التي أزلّت قلمي وأوقعتني، بغير قصد مني، فيما اعتبروه محظوراً ومكروهاً ومحرماً، تقودني لأخط كلماتي اليوم عن الأقدار التي شاءت أن تبعد عزيزاً علينا من مكان استأنسه، وقضى جُلّ حياته فيه، عاش فيه وقضى من الوقت أكثر مما عاشه وقضاه في بيته، وبين أفراد أسرته، وأحفاده، فكان ، وسيظل، أخاً حقيقياً وأباً حانياً وصديقاً صدوقاً، أحبه الجميع لسمو أخلاقه، وتقديره واحترامه للجميع، وللمكان الذي قضى فيه وانتمى إليه أكثر من 31عاماً، فهنا في هذا المكان الذي تعاقبت عليه أجيال وأجيال، عاصر هذا الأهرام البشري جلّ المؤسسين، ولم يفته منهم إلا مجموعة من الأوائل..
اليوم اختار هذا الأب والصديق والرفيق الرحيل، ولكنه إذ أراد ذلك الغياب، عن توأم روحه “الاتحاد” سيبقى هو في تاريخ “الاتحاد” بمداد قلبه الكبير، وستبقى”الاتحاد”توأم روحه التي لن تفارقه.
خمسة عشر عاماً وثمانية عشر ومائة يوم هي التي قضيتها معه، بعد أن جاورته المكان في أول يوم عمل لي في بيتي الثاني، فكان الناصح الأمين، والمعلم الجليل والصاحب الخليل، والإنسان النبيل، مرت كل تلك السنين كلمح البصر، ليأتي يوم الرحيل ململماً فيه أوراقه التي كثيراً ما تناثرت وتبعثرت، وهو يخطّ “صباح الخير يا إمارات”، تلك الكلمات التي لازمت فنجان قهوة الصباح لكل رياضي في هذا البلد والوطن العربي الكبير ليرتشف من كلماته العذبة السلسة أحلى وأجمل الكلام.
اليوم يقرر الفـراق، ويختار الوداع وما أصعبه وأقساه على الأحباب، لكن الأقدار تشاء فما عسى الأماني والدموع أن تفعل، إلا أن نستذكر الأيام الجميلة، والذكريات الطيبة، والتاريخ الناصع، والإنجازات الكبيرة التي سطرها الأستاذ عصام سالم.


m.eisa@alittihad.ae