المطوع كان قد استحق الاحترام كله من إبراهيم، وأغدق عليه حلة من ملابس جديدة، وعين ابنه حارساً يتقاضى مبلغاً يغنيه عن إعانة أبيه التي لا تصل في موعدها، وتعينه على الزواج وتأسيس بيت يليق بحارس عند مدير البلدية، وظل يوصل عائلة الإمام بأكلات كانت دسمة وغنية ومشتهاة.
بدأت الشائعة تسري في الناس أن إبراهيم لا يصلي دائماً، لكن الأهالي تجاوزوا عنها لأنهم هم أيضاً غير مواظبين على الصلاة في أوقاتها، فحقولهم تريد رجالها، والماء إن لم تلحق به في أوقات شربها تسرب بين الأصابع، وما كانت متكلة عليه من ماء تغدقه السماء ويجلبه الدعاء، تأخر كثيراً ذلك العام، لذا كان تقدم إبراهيم لا يعوقه كل تلك الأقاويل الخفية، والتلميحات السرية، والتي يصر الإمام أن يقولها مع تفخيم في الصوت، وعينين تلولبان في محجريهما.
وفي اللحظات المثقلة بالهم السياسي القديم شعر إبراهيم أن النجاح أو الهلاك لا محالة، كما تقوله مبادئه اليسارية، فبدأ يقصر في عطائه للإمام حتى صواني الأكل ظلت تصل متأخرة وباردة ولا تسمن أو تغني من جوع تاريخي في سلالة الإمام الشرهة والمشتهية أكل الناس.
الإمام الذي أبصر المال من خصم إبراهيم وشكره عليه كثيراً، قدم له حيلة لعينة أخرى وتكفل بتسريبها بين الناس، مدعياً أن إبراهيم يهرق ماءه واقفاً، متبولاً مثل الكلب، ولا يتطهر من نجاسته، وهو أمر لا يسر المسلمين، ويخالف ما تنزل على الرسول من قول مبين.
وهكذا سقط إبراهيم في الانتخابات، وفاز خصمه السياسي كما كان يدعي، لأنه لم يعرف عنه التبول واقفاً أو عدم الاستنجاء أو التطهر، رغم أنه لم يكن معلماً محترماً ولا مدير بريد أميناً أو طبيباً ريفياً مخلصاً، ولا محامياً ناجحاً، وكاد أن يكون إماماً جاهلا، وقاضيًا في النار.
ولم يعد الناس يصدقون إبراهيم أو يستشيرونه أو يقربونه أو يتقربون له، ولم يعد إبراهيم مشروعاً لمعلم صادق أو مدير بريد أمين، ولا طبيب ريفي كمهنة مجبر عليها، ولا محام ناجح، مثلما لم يكن إماماً وقاضياً من قبل.
كانت سقطة إبراهيم التي لم يعرف عنها بعد، أنها بسبب تلك الإشاعة التي أطلقها الإمام وصدقها الناس الذين كان يدافع عنهم، كانت عبارة أنه كان يتبول واقفاً مثل أي كلب، ولا يتطهر من النجاسة تسري في البيوت، وتتبعها ضحكات لا تنقطع، وعلامات دهشة، تختتم بتعجب من النساء: “إبراهيم.. الله يخسك يا الخايس”!
وكبار السن رجعوا لتسميته القديمة، وهو صغير يحجل في القرية بثوبه الرث، وسنسوله السابح على صدر كندورته متخذاً طريقاً أخدودياً عليها: إبراهيموه.. إبراهيموه!



amood8@yahoo.com