حين تقدم إبراهيم بتربيته الدينية وأفكاره التقدمية ضد مرشح الشعب، حبيب الملايين، حسب ما تقول لافتة الانتخابات، والتي كتبت بخط سريع ورديء، كان واثقاً من الفوز، مثلما كان واثقاً من كذب وانتهازية خصمه، دخل بحلم كبير أن يجعل من قريته الصغيرة وطناً مثالياً كبيراً، كعادة المثقفين اليساريين حين يتورطون بمثالية الأدب وطهرانية الدفاع عن الفقراء، الذين كثيراً ما يخذلون مرشحهم إن أغروا بأكلات شهية وبقطع قماش جديدة تفرحهم.
إبراهيم كان يمكن أن يكون مشروع مدرس، وهكذا فعل لبعض الوقت، كان يمكنه أن يكون مشروع مدير البريد في منطقته، وهكذا فعل بطريقة أخرى، لأن كثيراً من الرسائل التي تخرج من البلدة كان يكتبها، وجل الرسائل التي تصل البلدة الصغيرة كان يقرأها، كان يمكن أن يكون مشروع طبيب ريفي، وهكذا فعل في حدود الاستشارة، وجلب الدواء في كل مرة كان يهبط إلى العاصمة أو يسافر للمدن الكبيرة، كان يمكن أن يكون محامياً ناجحاً، وهكذا فعل في تقريب وجهات النظر التي كانت تشط إلى العنف والمخاصمة وحتى رفع السلاح، كان يمكن أن يكون إماماً وقاضياً، لكنه لم يفعل، رغم أنه كان عارفاً قارئاً وحافظاً للقرآن، وهذه المهارة كانت تغيظ إمام المسجد الذي يعد نفسه إماماً ومختناً وحجاماً وقاضياً وحيداً، حيث بنى سلطته عند الناس بحكم العمر والجهل، وعن طريق أبيه وجده من قبل، وأي فضح أو تعرية للمقام السامي للمطوع كان يمكن أن يفسرها الأهالي بطريقة خاطئة، ولأن إبراهيم كان ينزع لروح جديدة وحديثة، ويريد أن يطرد الجهل بطريقة غير ثورية، سرّب المطوع مرة أن هذا الاسم لنبي كريم لا يستحقه رجل يحمل أفكاراً حمراء، والأجدر أن يسمى إبراهيموف.
كانت الأهالي تحب إبراهيم وتعتبره شرفها ومشرفّها في العاصمة حتى حينما كان يذهب إليها طالباً أو سجيناً سياسياً، كان يقوم بالواجب ضمن حلقات معارفه والتنظيم السابق الذي كان ينتمي إليه وقت الدراسة والمشاغبة السياسية، كانت الأهالي تعتبره مثلها وتاج رأسها لسبب بسيط ووحيد، أنهم لا يقدرون على مزاحمته في معارفه والنور الذي يحمله حتى عرف بينهم أنه “متنور.. وفاهم وقارئ، ويعرف الفلسفة”.
في حمى الانتخابات سربت الحكومة لمندوبيها أن يخرجوا مثل إبراهيم من تشريف البلدة، وفهمت الرسالة بدقة: أن لا نجاح لأمثال إبراهيم في الانتخابات القادمة، وحده إبراهيم السياسي كما يفترض به لم يفهم، حتى اضطرت كل السلطات أن تتدخل وتحاول إفهامه، لكنهم كانوا عاجزين عن إيجاد الحيلة التي قدمها لهم إمام المسجد بطريقة مجانية، كوفئ عليها فيما بعد! وغداً نكمل..


amood8@yahoo.com