كنت أقف عند إشارة ضوئية في أحد شوارع العاصمة أبوظبي في طريقي للعمل، وشاءت الأقدار التعيسة أن أحاصر بين مركبتين، أقل ما أصف قائديها بافتقارهم لأقل أساسيات الذوق وآداب الطريق واللباقة، وحتى اللياقة كانا يفتقدانها، فما أن توقفت سيارتي حتى فتح صاحبنا القابع على يميني باب مركبته، وظننت من الوهلة أنه سينتحر برمي جثته الجاثمة على ذاك المقود الصغير، والمتكدسة بأنواع الشحوم واللحوم، أسفل تلك المركبة المسكينة المغلوب على أمرها، وإذ به يقوم بفعل آخر غير الانتحار، ويا ليته فعلها وانتحر، ولم يفعل ما فعله، بأن أفرغ ما بفمه في الشارع، وكأنه من أملاكه الخاصة، أو أنه من الأملاك التي ورثها، فيتصرف بها كيفما شاء، ضارباً مشاعر الناس من حوله، وآداب الطريق، وحرمة الشارع، ونفسيات الناس التي قد تتقيأ وتستفرغ ما في جوفها من بشاعة ما شاهدته، عرض الحائط، وبابتسامة عريضة وقحة رسمها على شفتيه أدخل رأسه، ذلك الجسم المكور ككرة السلة بل أكبر، وحشاه من جديد في المركبة الصغيرة التي يستقلها.
أما العزيز الأيسر، ذلك الواضح على شخصه المقام العالي الرفيع، والمتمتع بالخير الوفير، والنعمة بادية عليه، وعلى السيارة الفارهة ذات الملايين التي لا أعرف إن كان اقترض سعرها من أحد البنوك كما نفعل نحن، أم أنه دفع ثمنها نقداً، فلم تمنعه وجاهته البادية على وجهه، ولا حبه لتراب بلده، “ولا حشمة العربان اللي حوله”، فضرب بالناس والآداب والقوانين عرض الحائط، بعد أن لملم كومة من القمامة، وكأنه أنهى لتوّه وجبة غدائه الدسمة، ورمى بما ملكت يداه من مخلفات في الشارع، بعد أن أخفق في إصابة الهدف، بسبب كبر بطنه الذي اصطدم بالمقود فمنعه من إخراج كامل يديه لتسقط القمامة في الشارع بدل الرصيف.
مثل تلك التصرفات كثيرة، وأكاد أجزم أنكم جميعاً تصادفون مثلها وأكثر، الصادرة عن فئة هي غثاء في الشوارع كغثاء السيل، ما أن تولّي وجهك شطر المشرق أو المغرب حتى تجدهم، ولا أعرف ما سبب تصرفاتهم هذه غير المهذبة مع أنفسهم ومع من حولهم، ولماذا لا يراعون حرمة الأماكن العامة التي يجب الحفاظ عليها واحترامها واحترام مستخدميها، أهم مرضى، أم أنهم مصابون بمسّ من الأذى؟
إن من يأتون بتلك الأفعال الخارجة عن النص المقززة والمقرفة، والتي فيها الكثير من الأذى للمجتمع، وفيها من القذارة ما يغث الأبدان لابد من ردعهم، والضرب على أيديهم بقوة، وغياب الوازع مع الرادع جعل تلك الفئة تعيث في الأرض فساداً وتحول النظافة لقذارة، وتشوه من جمال مدننا ومرافقنا وشوارعنا.
وأغرب ما سمعت حول ذلك أن أحد أصدقائي اشتاط غضباً من تصرف مشابه، فقرر الترجل من سيارته، لكنه تمالك نفسه، وحاول الاتصال بكل الأرقام التي يعرفها للطوارئ والشرطة وغيرها، فلم يجد ضالته في أن يسمعه أحد، ليظل الضال المضل في ضلاله بالشارع دون رادع.


m.eisa@alittihad.ae