أيام ويبتهج الأطفال، ويفرح الكبار، ويسعد من طاف البيت ولبّى في المشعر الحرام، ناهلاً من خير هذه الأيام وبركاتها العظام، والتي سبقهم وسبقه إليها التجار الكرام، أصحاب النفوس النهمة للدرهم والدينار، من كانوا ينتظرون العيد، ليس ابتغاء لرسم البسمة والفرحة على وجه طفل، أو الابتسامة على شفاه كهل، أو أرملة، بل فرحة بالمكسب والدراهم الكثيرة التي ستدخل جيبه، وتتخم حساباته في البنوك، وتزيد من رصيده في الصكوك، مستغلاً حاجة العباد لإرضاء رب العباد، وأداء نسك بدأه إبراهيم وسنّه المصطفى عليه أفضل الصلاة التسليم.
فموسم العيد فرصة سانحة للتجار، إذ يرونها مناسبة لمضاعفة الكسب وزيادة الفائدة، وتعويض شيء من الركود، وإن لم يكن ركوداً ولا هم يحزنون، فطوال أيام السنة الثلاثمائة والخمسة والستين يوماً والست ساعات وأسواق الماشية في سباق محموم، وحركة دائمة دؤوبة، لا يكلّ فيها البائع ولا الشاري، فالناس لا ولن تستغني عن أكل اللحوم ما حييت.
فمع اقتراب أيام عيد الأضحى ارتفعت أسعار الماشية بشكل غير معقول، فوصل سعر الخروف الأسترالي، الذي ما كانت الناس تشتهيه، إلى ثلاثة وأربعة أضعاف سعره الأصلي، أما الأنواع الأخرى من الأصناف الأفضل حظاً على موائد الكرام، والناس العظام فحدث ولا حرج، هذا إن وجدته بالسوق أصلاً!
وإذا ما واجهت أحد التجار والمتربحين من أسواق النعاج والخراف يقول لك: هذا سوق مفتوح يحكمه العرض والطلب،و”اللي ما عنده يدفع لا يشتري ولا يضحي”، فالأضحية سنّة، كما أن الارتفاع ليس في أسعار الأغنام والخراف فقط الأعياد والمناسبات، إنما في كل الأشياء، وإذا كانت أسعار أغنامنا وخرافنا ترتفع في الأعياد، وفي رمضان الشهر الوحيد في العام، فإن أسعار كل السلع والمواد الغذائية مرتفعة كالنار طوال العام، لا تشبع ولا تنطفئ، ولماذا تحرمونا نحن فقط من التنفع وزيادة غلة الربح بعض الشيء في أيام معدودات.
إن رد بائع الخراف لا يخلو من المنطق والصواب بعض الشيء، فالتجارة شطارة ما دامت بعيدة عن الغش والتلاعب، وإجراءاته وممارساته لا تخالف القوانين والنظم، أما أن نطلب من البائع مراعاة الشهر الفضيل، وحرمة الأشهر الحرم، وغيرها من الطقوس والأيام، فهذا كلام فيه من الإجحاف الكثير، ولكن ليس معنى ذلك أن نترك الحبل على الغارب، ونذهب لأسواق الماشية ونشتري تيساً بسعر سيارة ونحن نضحك ثم نقول هذا موسم، ولنترك التجار يتكسبون.
إن الحل، أو أحد حلول وقف هذا الارتفاع والمجنون في الأسعار هو تدخل الجهات المعنية بقوة القانون، وتأمين السلع وضخها بالأسواق بالطرق المناسبة التي تفيد الشاري ولا تضر بالبائع، وحينها سترجع الأسعار لسابق عهدها، فدور الجهات يجب ألا يقتصر على الحملات والجولات، بل فتح الأبواب المغلقة والمساعدة في دخول المواد والسلع لجميع التجار.



m.eisa@alittihad.ae