خبر جدير بالتأمل نشرته إحدى الصحف منذ مدة، حول دراسة حديثة أعدتها معاهد جامعة (جورج تاون) الأميركية، تؤكد أن بعض البشر بإمكانهم السيطرة على سلبيات واقعهم بواسطة الحلم أو التخيل وخاصة أولئك الناس الذين يتمتعون بخيال جامح وقدرة على التخيل. في ظني الخاص أن هذه الدراسة ما كان يجب أن تخرج من معاهد (جورج تاون)، فنحن كعرب أولى بدراسات سلوكية ونفسية من هذا النوع، خاصة وأن التداوي بالحلم والخيال صار طباً عربياً شائعاً.
وإذا كان في الغرب (بعض) البشر يعالج واقعه بالحلم، فلدينا (كل) البشر يفعلون ذلك. إن التداوي بالحلم ليس علاجاً سيئاً على الإطلاق، فقد أثبتت هذه الدراسة الأميركية أن البعض يستطيعون تعزيز جهاز المناعة ضد الأمراض عندما يتخيلون أن الخلايا المقاومة للمرض تنشط لتسيطر على الميكروب، وفي مرجعيتنا الأدبية الخاصة بالحلم والتخيل فإننا كثيراً ما نردد: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، ذلك أن الأمل هو أول أبجدية الحلم، فمن كان لديه أمل يؤسس حلماً جميلا فليقبض عليه بكل طاقته، فالمرء بحاجة لحلم كما هو بحاجة لطعام وشراب.
وحينما نفكر في تصرفاتنا وأحوال العالم المحيط بنا، نلاحظ أن التذمر والشكوى واليأس ظواهر شرسة تتمدد في أغلب الحوارات والأدبيات والأشعار وأفلام السينما وأطروحات أهل السياسة، فالكل يقول لك إن الحياة كارثية والزمن رديء والإنسان صار أكثر شراسة من الوحوش و.... الخ، فهل يعبر هذا اليأس عن الحال الحقيقي للواقع الذي نعيشه ؟ وهل يعتبر اليأس علاجاً مقبولاً ؟ بمعنى أنه مهما كانت أحلامنا عظيمة وجميلة فإنها لن تقوى على التصدي لشراسة هذا الواقع ؟ هل هذا يعني أننا لسنا بحاجة للحلم اليوم لأن عوائق الواقع أكبر من حكمة كل الأحلام ؟
الواقعيون يقولون إن الأحلام ليست سوى كذبة كبرى أو لعبة أطفال لا أكثر، ولكن من قال إن الواقعية هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها معالجة كل السيئات ؟ نحن لا نقول أن الخيال والحلم يمكن أن يحلا أزماتنا ومشاكلنا واختناقات العالم من حولنا، لكن هذا كله بحاجة إلى من يعمل على حله بأمل أي بحلم، ففي حال فقدنا الأمل وصلنا حتما إلى نقطة اللاعمل واللافائدة.
إن الآلات الحاسبة ليست مقياس النجاح الوحيد، كما أنها ليست الوسيلة الوحيدة لحساب تكلفة الربح وتكاليف الخسائر، فحتى في أشد حالات المرض، وفي أسوأ أنواع العمليات الجراحية، لا يحب أعظم أطباء العالم هذا السؤال الفج المجرد: ما هي نسبة النجاح ؟ فالأرقام أحيانا قد تكون شكلا آخر لليأس والإحباط إذا احتكمنا إليها هي فقط دون الأخذ بأن هناك متسعاً من الأمل في رحمة الله.
سنجد انفسنا نزداد إحباطا وتوتراً في كل حالة تواجهنا الحياة بمحنة فنجري مباشرة إلى الآلة الحاسبة، لماذا لا نجري إلى الحلم بدلا من ذلك، أليس ذلك أفضل ؟ لكن ليس على طريقة الصينيين الذين يعتقدون بأن الأحلام تعني النوم طوال الحياة لا أكثر ! ليس هذا الذي نقصده بالتأكيد، لأن الحالمين ضعيفي الإرادة لا يقيمون بيوتاً صالحة حسب المثل الانجليزي، واضح أن تراث الشعوب ونظرتها للحلم يختلفان حسب المزاج الحضاري، وغالباً ما تجد الأحلام بيئتها المناسبة في المزاجات الشرقية، بينما لا يفضلها الغربيون كثيراً، لذلك نعتقد أن دراسة التداوي بالحلم دراسة عربية شرقية التوجه والمزاج.


ayya-222@hotmail.com