محظوظ ومرضيّ عنه من أنعم الله عليه ببستان مثمر حباً ووفاءً وإخلاصاً، زوجة تصونه، وتحفظه، حاضراً غائباً. عرف العرب بالأدب والأخلاق في تعاملهم، مع أسرهم، وجيرانهم، وأصدقائهم، وحتى مع أعدائهم، وكان الزواج بستاناً من سَكَنٍ لروحَيْن، يتدثران بتاج الحياء. حُكي أن ملكاً رأى امرأة شديدة الجمال، إلى جانب قصره، فأعجبته وشغف بها، فاستدعى زوجها واسمه فيروز، وأعطاه كتاباً لشخص في بلد آخر، فأخذ فيروز الكتاب، وبات ليلته، وسار صباحاً، ولم يعلم بما قد دبّره الملك، الذي قام مسرعاً متخفياً إلى دار فيروز، فقرع الباب قرعاً خفيفاً، فقالت امرأة فيروز: من بالباب؟ قال أنا الملك، ففتحت له فدخل وجلس، فقالت: أرى مولانا عندنا! فقال: زائر، فقالت: أعوذ بالله من هذه الزيارة، وما أظن فيها خيراً، فقال: ويحك إنني الملك سيد زوجك! وما أظنك عرفتني، فقالت: بل عرفتك يامولاي، ولكن سبقتك الأوائل في قولهم: ســـأترك ماءكــم من غيـــر ورد وذاك لكثـــــرة الـــورّاد فيـــه إذا ســقط الذباب عـلى طعــامٍ رفعت يـدي ونفســي تشــتهيهِ وتجنـــــب الأســـودُ ورود مــاءٍ إذا كان الكــلاب وَلَغْـــن فيــه ويرتجع الكريــم خمــيص بطــنٍ ولا يـرضى مســاهمة الســـفيه وما أحسن قول الشاعر: قل للــذي شــفّهُ الغــرامُ بـنــا وصاحب الغدر غير مصحوبِ واللـــــه لا قـــال قائــل فينـــا قد أكل الليث فضلة الذيبِِ ثم قالت: أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه، قال فاستحيا الملك من كلامها وخرج، فنسي نعله في الدار، أما فيروز فقد نسي الكتاب بعد خروجه، فتذكره، فعاد ليأخذه، ووجد نعل الملك في الدار، فسكت ولم يبد كلاماً، ثم عاد وقضى حاجة الملك، وعند عودته، اشترى هدية حسنة، وقال لزوجته: قومي إلى زيارة بيت أبيك، فسألته وما ذاك؟ قال: هدية لأهلك، إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك، قالت: حباً وكرامةً، فقامت من ساعتها، وأقامت في أهلها شهراً، فلم يذكرها زوجها ولم يلمّ بها، فأتى أخوها إلى فيروز، وقال: إما أن تخبرنا بسبب غضبك، أو تحاكمنا إلى الملك، قال إن شئتم الحكم فافعلوا، فما تركت علي حقاً. فأتى معهم إلى الملك والقاضي جالس إلى جانبه، فقال أخو الزوجة: إني أجّرت هذا الغلام بستاناً سالم الحيطان ببئر معين عامرة، وأشجار مثمرة، فأكل ثمره، وهدم حيطانه، وأخرب بئره، فالتفت القاضي إلى فيروز، وقال ما تقول يا غلام؟ فقال فيروز: أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن ما كان، فقال القاضي: هل سلّم إليك البستان كما قال، قال: نعم، ولكن أريد السبب لرده. فقال القاضي: فما قولك؟ فقال: والله ما رددتُ البستان كراهة فيه، وإنما جئت يوماً فوجدت فيه أثر الأسد، فخفت أن يغتالني فحرمت دخول البستان إكراماً للأسد، فتدخل الملك، وقال: يا فيروز ارجع إلى بستانك آمناً مطمئناً، فوالله إن الأسد دخل البستان ولم يؤثر به أثراً، ولا التمس منه رزقاً، ولا ثمراً ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة، ووالله ما رأيتُ مثل بستانك، ولا أشد احترازاً من حيطانه على شجره، فرجع فيروز إلى داره ورد زوجته، ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك. ? بالفصيح:الزوجة في أكثر الأحيان دواء