أستاذ عصام سالم.. هل ستكون يا سيدي آخرهم؟!
لقد كنت وبجدارة يا سيدي من أقدر من أجادوا حفر أنفسهم حولنا، بصباحاتك البهية، وابتسامتك الدائمة، وصوتك الأثري، ومصافحاتك التي لا تنتهي حتى وقت مغادرتك، وبسبب كل تلك الطاقة الجميلة التي منحك الله إياها، تُحملنا الآن شجناً يملؤه الخسارة والفقد.
كُثر يعبرون، وقلة نتذكرهم، ونادرون جدا من يتركوننا خلفهم نتألم وحدنا بتفاصيلهم المبعثرة في جنبات أيامنا؛ يغيبون بعد أن نجحوا في لمس قلوبنا براحة أيديهم، وبثوا فيها الدفء والبهجة والفرح، حتى غدى لنبضاتنا صوتا تسكنه ضحكاتهم؛ كعادتهم عندما يغادرون يأخذون كل الألوان ويتركون لنا حقائب ملأى بذكريات لا عدد لها، تكدست فيها أشياءنا الصغيرة وقد بهتت بغيابهم وإن لم تبرحها أصواتهم.
بسببك يا سيدي.. اكتشفت من جديد نفسي؛ أبدو تائهة باهتة لا أملك كلمات أسلي فيها حالتي، وأنا التي تباهيت دوما بقدرتي في وصف ما أشعر به، فأجيد صبغ الأصوات ورسم المشاعر وتذوق اللحظات بكلمات أتفنن في نثرها؛ أكتشف بعد كل هذا عجزي وضعفي أمام ألم لا أملك أمامه شيئاً حتى التعبير عنه.
لعلي في كل صولاتي مع الكلمات تناولت كل المشاعر المبهجة الدافئة الداعية للحب والجمال متجنبة المرور بحقل الحزن والآلام؛ وكيف لي أن لا أكون كذلك، وأنت وأمثالك حولي تعلموني كيف أنجح في عمل البهجة وصنع الضحك وزرع الأمل وتحدي كل شيء لإنتاج النجاح، وها أنت تغادرنا الآن بكل ما فعلته، وقد أهملت تعليمي كيف أواجه الحزن.
فعلت مثلهم.. وقررت الرحيل، وتركتني بلا قرار حتى في استجماع قدرتي على الوداع الذي أمقته، والذي أحاول دائما جعله أقرب لما أشاهده من وداعات في الأفلام الأجنبية حيث يردد الحضور من الأصدقاء مواقف صديقهم المضحكة والتي جمعتهم به، ويثنون على محاسنه، ثم يأكلون ويشربون ويتجاذبون أطراف الحديث ويغادرون؛ ولكنه سيبقى مهما تظاهرنا وداع فاشل لأنك هنا في كل التفاصيل.
«أبو أميرة».. حاولت كثيرا امتلاك ترف عدم الكتابة إليك، حاولت التملص من الوجع الذي سيبقى طويلا في غيابك، حاولت جاهدة أن لا أبدو ضعيفة بائسة، حاولت أن أبدو قانعة بأن الحياة كما تهدينا الرائعين تأخذهم منا، ولكنها محاولات لم تفلح إلا في إزاحة مكان أكبر في روحي؛ مكان أرتب فيه ما ستتركه في حقائبك الكثيرة فيها تفاصيل عمر جميل عشته بيننا، تفاصيل قد تصلح في صنع خلطة خاصة قد تعلمني كيف أواجه حزن غيابك.


السعد المنهالي Als.almenhaly@admedia.ae