يوم أمس كانت خطبة الجمعة تتحدث عن فضائل الحج، وروحانية رحلة يتقرب فيها العبد إلى خالقه، ملؤها الرضا والنور؛ لما فيها من تهذيب للنفوس وتطهير للقلوب.
وقد أفاض خطيب مسجد مصعب بن عمير الكائن بجوار المصلى القديم للعيد في أبوظبي في تعداد وتبيان صور ودلالات الرحلة الإيمانية. ومما زاد من أجواء الزهد في متاع الدنيا حضور جنازة أدى المصلون الصلاة عليها، والإمام يدعوهم للاتعاظ، مرددا “كفى بالموت واعظا”. ولدى خروج المصلين والمشيعين سمعت صرخة من الجوار، اعتقدت للوهلة الأولى أنها بدرت من مكلومة تقرب للمتوفى. لنعرف بأنها لأحد متعاركين من الذين خرجا لتوهما من بيت الله، وقد بلغ الغضب بينهما كل مبلغ لهذه الدرجة التي يمكن معها أن يفتك أحدهما بالآخر، لولا تدخل أهل الخير الذين باعدوا بين الرجلين الغاضبين، لمجرد اختلاف في أولوية المرور بين قادم بسيارته من اتجاه وثانٍ آتٍ بمركبته من الاتجاه الآخر وسط ممر ضيق في الشارع الذي اكتظ جانباه بسيارات المصلين المتوقفة، في مشهد بات عاديا عند المساجد وبالذات وقت صلاة الجمعة. حيث يختل النظام وتتعقد الحركة بسبب إصرار كل صاحب مركبة أن يكون في أقرب موقف بالنسبة له في طريقة المسجد. وهو سلوك يكاد يكون عاما لدى شريحة واسعة من الناس، وبالذات الشباب الذين يود البعض منهم لو أن بإمكانه الوصول بسيارته إلى غرفته أو فصله الدارسي في الكلية التي يدرس فيها.
واقعة الاشتباك بين مصليين خرجا لتوهما من مسجد و عند تشييع جنازة، يكشف مدى احتقان النفوس وحال التأزم الذي تشهده طرقنا وشوارعنا من جراء الازدحام والتكدس المروري الذي تعاني منه، وأفرز ما يتعارف عليه خبراء الاجتماع وعلم النفس واختصاصيو المرور بظاهرة غضب الطريق. وهي ظاهرة تتمثل في تفلت أعصاب مستخدمي الطريق لأتفه الأسباب، ويصل التهور فيها مداه، بحيث ينسى كل طرف أية موعظة تتعلق بتهذيب وضبط النفس، ويتحول لإنسان مستعد للإقدام على أي تصرف، دون النظر إلى النتائج المؤلمة التي قد تترتب عليه، وتضعه في موقف لا يحسد عليه.
إن ما جرى صورة لما يحصل في أماكن مماثلة، وفي مواقف مماثلة ينتهي بعضها إلى أقسام الشرطة وأروقة المحاكم، وبعضها إلى حل على يد حريصين على إصلاح ذات البين بين الناس. كما أن هذه المشاهد تكشف مدى حاجتنا للتنظيم الذي لا يتم إلا بتواجد رجال المرور، وكأنما هؤلاء الأشخاص لم يبلغوا درجة من الوعي والرشد لتنظيم أنفسهم، ويحرص المرء منهم على عدم إيذاء مشاعر الآخر بطريقة تدل على احترام ذلك الآخر، وهو يتصرف كما لو أن الشارع العام هو ملك خاص به، له الأولوية فيه مرورا وموقفا. ومما يؤسف له أن كل ذلك التعطيل والإيذاء قرب المساجد يتم بحجة تلبية النداء وأداء الطاعات في أوقاتها. ذلك المشهد أثار استياء الكثيرين، وأثار معه وضعا أصبحنا فيه نتساءل، هل علينا الطلب من “الشؤون الإسلامية والأوقاف” الاستعانة بدوريات مرورية عند المساجد مع كل صلاة ؟!.


ali.alamodi@admedia.ae